في عالم يتزايد فيه الطلب على تحقيق نتائج ملموسة وفعّالة من المبادرات التنموية، أصبح تقييم البرامج والمشاريع ليس مجرد خيار إداري، بل ضرورة استراتيجية لضمان جودة التنفيذ وتحقيق الأثر.
فالتقييم هو العملية المنهجية لجمع وتحليل المعلومات حول فعالية وكفاءة وجدوى الأنشطة التنموية، ويُستخدم لتوجيه القرارات، وتحسين الأداء، وتعزيز المساءلة أمام المانحين والمجتمعات المستفيدة على حدٍّ سواء.
تشير بيانات البنك الدولي (2023) إلى أن 68% من المشاريع التي خضعت لتقييمات شاملة نجحت في تحقيق أهدافها بمستوى أعلى مقارنة بالمشاريع التي لم تُقيّم أو تم تقييمها بشكل محدود.
ويؤكد تقرير OECD أن الاستثمار في التقييم يعود بأربعة أضعاف قيمته من حيث تحسين الكفاءة وتفادي الهدر.
يتنوع التقييم بين تقييم قبلي لتوقع الأثر، وتقييم مرحلي لتحسين المسار أثناء التنفيذ، وتقييم ختامي لقياس النتائج، وتقييم تتبعي لتحليل التأثير طويل المدى. يُستخدم التقييم الكمي عبر أدوات مثل المقاييس والمؤشرات، بينما يوفر التقييم النوعي فهماً سياقياً أعمق من خلال المقابلات والملاحظة ودراسات الحالة.
من أبرز النماذج العالمية الرائدة، تجربة مختبر عبداللطيف جميل لمكافحة الفقر «J-PAL»، الذي نفذ أكثر من 1,000 تقييم عشوائي محكم (RCT) في أكثر من 90 دولة، غيّرت نتائجه سياسات وطنية في مجالات التعليم والصحة. مثال ذلك: تقييم برنامج توظيف معلمين مساعدين في كينيا أدى إلى تحسين التحصيل الدراسي بنسبة 30%.
وفي أفريقيا، نفذت GiveDirectly نموذجاً مبتكراً لتحويل الأموال مباشرة إلى الأسر الفقيرة. وأظهرت دراسة منشورة في Nature أن الأسر التي تلقت تحويلات شهدت زيادة بنسبة 34% في الاستهلاك، وتحسناً في مؤشرات الصحة والتعليم.
أما في أمريكا اللاتينية، طوّر بنك inter-American Development Bank أساليب تقييم تشاركية شملت المجتمعات المستفيدة منذ مراحل التصميم، مما زاد من فعالية البرامج بنسبة 25% ورفع نسبة التفاعل المجتمعي.
ويؤكد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP أن 75% من الجهات المانحة الكبرى تضع أنظمة التقييم كشرط أساسي للتمويل، وتربط صرف الدفعات بنتائج التقييم المرحلي لضمان التقدّم الفعلي نحو الأهداف.
ورغم هذه النجاحات، فإن العديد من المؤسسات في المنطقة العربية لاتزال تتعامل مع التقييم كأداة رقابية لا تضيف قيمة، وهو تصوّر بدأ يتغير تدريجياً بفضل انتشار ثقافة إدارة الأداء، وزيادة التدريب على أدوات القياس، ودعم المؤسسات المانحة للتقييم المؤسسي.
ختاماً، يُعدّ التقييم حجر الزاوية في دورة إدارة المشاريع التنموية، لا من حيث التحقّق من النتائج فقط، بل من حيث تحسين استدامة الأثر، وضمان أن البرامج تستجيب فعلاً لاحتياجات المستفيدين وتُدار وفقاً لأفضل المعايير.
0 تعليق