loading ad...
عمان- بكل ما تحمله الحياة من تفاصيل، يجد جيل جديد من الشباب الأردني مثقلا بتحديات اقتصادية ومعيشية في مجتمع ألقت فيه الأزمات المركبة بظلالها على حياة أكثر الناس.اضافة اعلان
وأمام تضخم كلف الحياة وانحسار الفرص، يجد شباب أردنيون أنفسهم مضطرين إلى إعادة رسم سلوكياتهم المالية وأنماط إنفاقهم بحثا عن ملاذات تحميهم من حالة "الإنكسار الاقتصادي" وتضمن لهم حدا أدنى من الاستقرار.
ووفقا لأحدث معطيات إحصائية رسمية ، بلغ معدل البطالة في الأردن خلال العام الماضي 21.4 % بانخفاض 0.6 % قياسا بعام 2023 ، في حين تشير المعطيات إلى أن 59.2 % من إجمالي المتعطلين هم من حملة الشهادة الثانوية فأعلى ويبلغ معدل البطالة بين حملة الشهادات الجامعية ممن يحملون شهادة بكالوريوس فأعلى نحو 26 %.
أما اليونسيف، فتقدر نسبة العاطلين عن العمل في الفئة العمرية بين 15 و30 سنة، بنحو 32 %، ووفقا لتقرير حول واقع انخراط الشباب الأردني في سوق العمل، تقدر دراسة لليونسيف نشرت عام 2022، بحث نحو 100 ألف شاب عن العمل سنويا، وبحسب الدراسة، يصنف الأردن، أن لديه ثالث أدنى معدل لمشاركة الإناث في القوة العاملة في العالم.
هذه النسبة المرتفعة من البطالة، إضافة إلى الظروف المعيشية الصعبة للأسر الأردنية خلال السنوات الأخيرة من تآكل الأجور وارتفاع التكاليف الحياتية وغيرها، نتيجة الأزمات السياسية والاقتصادية والوبائية عالميا وإقليميا، دفعت كثير من الشباب كالطالب الجامعي محمد دهمان إلى تغير أنماط إنفاقهم.
تجارب شخصية: نماذج لعادات
إنفاق جديدة
يقول محمد "منذ عام ونصف أصبحت أخطط لميزانية الشهر لتحديد أوجه الإنفاق الخاصة بي وألتزم في تطبيقها".
ويضيف " ما دفعني لذلك الأزمة المالية التي مررت بها خلال أول عامين جامعيين إذ كنت أنفق بوتيرة فوضوية تميل للتبذير".
محمد الذي بات على مشارف التخرج الجامعي يقول" لم أعد أتطلع إلى الحياة كمستهلك فقط أو أكتفي بالحصول على المصروف الخاص من العائلة، بل من تلقاء نفسي توجهت إلى سوق العمل خلال الأشهر الثمانية الأخيرة".
أما العشرينية بيان محمد، تؤكد أنها قررت تقنين شراء الألبسة والإكسسوارات إلى مرتين في العام، بدلا من الشراء كل شهرين أو أكثر، كما قررت ترشيد إنفاقها بشكل عام، إذ أصبح ما تحصل عليه من مصروف أسبوعي من قبل ذويها، تنفقه خلال عشرة أيام.
وتقول بيان التي ما تزال على مقاعد الدراسة الجامعية "قراري في تغيير عاداتي الإنفاقية والاستهلاكية، دافعه تخفيف الأعباء على أسرتها".
وتوضح بيان أنها تخطط خلال العطلة الصيفية المقبلة لاكتساب مهارات جديدة تمكنها من العمل عبر شبكة الإنترنت، بما يعزز من قدرتها على الإنفاق على نفسها عدا عن الادخار.
الثلاثيني غالب حمدان يقول "منذ بداية العام الحالي بدأت في تقنين استخدام سيارتي الخاصة في الذهاب إلى العمل، وأستخدم بدلا من ذلك المواصلات العامة، إذ يساعدني ذلك في خفض فاتورة نفقاتي الشهرية".
ويواصل غالب الذي يعمل في أحد مؤسسات القطاع الخاص الكبرى " الظروف الاقتصادية الراهنة والارتفاع المستمر في التكاليف ، يستوجب، التخلي عن بعض سلوكيات الإنفاق المبالغ فيه والمظاهر الاجتماعية".
ويؤكد غالب أنه يبحث عن تنويع مصادر دخله من خلال البحث عن عمل إضافي في الفترة المسائية، لافتا إلى هذه السنوات من عمر الإنسان الفرصة سانحة خلالها لتحسين الواقع المعيشي الخاصة به، قبل أن تستنزف طاقته وشغفه في العمل.
رؤية الاقتصاد السلوكي
وقال المختص في الاقتصاد السلوكي حسام عايش " هناك تحولات هائلة طرأت على ديناميكيات العقلية الاقتصادية في أوساط الشباب ، حيث أصبح يأسس سلوكه الإنفاقي على المستقبل، ويبتعد عن حالة الشطط في الإنفاق والتي عادة ما كان يتصف بها الشباب.
وأضاف " الظروف المعيشية الصعبة التي يعيش الاقتصاد الوطني في كنفها منذ سنوات عدة ، أوجد لديهم حالة من الوعي المالي والاقتصادي، لذا فأنماط الإنفاق لدى الأغلبية منهم تميل نحو الترشيد والابتعاد عن الإسراف غير العقلاني".
وأشار عايش إلى أن معاينة الأجيال الشابة الحالية للظروف الاقتصادية للأجيال التي سبقتهم دفعتهم إلى التعلم من تلك الاخطاء التي وقعوا بها ، لذا يمكن وصفه اليوم بالأكثر نضجا ماليا واقتصاديا.
وبين عايش أن ظاهرة العقلانية الإنفاقية لدى الشباب، ليست أردنية فحسب بل هي امتداد لظاهرة عالمية، يلحظها المختصون والباحثون، خاصة في ظل تأثر الشباب بمواقع التواصل الاجتماعي، التي قدمت نماذج عديدة من حول العالم لشباب أصحاب مشاريع كبرى ورجال أعمال ورياديين ، الأمر الذي لفت انتباه الأجيال الشابة إلى أهمية الوعي الاقتصادي والمالي.
ولفت عايش إلى أن نظرة الرفاهية الشخصية والحياتية تغيرت لدى الشباب ، الذين كانوا يبحثون عنها سابقا في مرحلة مبكرة من عمرهم ، إذ أصبح الاتجاه اليوم إلى بلوغها بعد الخمسين ، وتسخير الأعوام التي تسبق ذلك للعمل والاستثمار الذي يصل في نهاية المطاف إلى تلك الرفاهية المنشودة .
و أوضح عايش ، أن الكثير من الشباب الأردني اليوم يعمل في أكثر من وظيفة ، ولديه حرص دائم على إيجاد أكثر من مصدر دخل ، خاصة في ظل فرص العمل التي تتيحها التكنولوجيا لهم حاليا .
ثقافة الاعتماد على الذات
تغزو الشباب
من منظور علم الاجتماع، يرى أستاذ علم الاجتماع حسين الخزاعي ، أنه يمكن قراءة تحولات السلوك الاقتصادي لدى الشباب الأردني ناجمة عن محاولة التكيف مع ضغوط الواقع، فهذه الفئة العمرية لا تتحرّك فقط بدافع فردي لتحقيق الاستقرار، بل تتفاعل مع الواقع الاقتصادي والمعيشي المحيط بهم عائليا واجتماعيا، معتبرا ذلك توجه وتحول إيجابي للشباب.
ويؤكد الخزاعي، أن ما يسرع من هذا التغيّر هو الإدراك العميق من قبل الشباب لمعاناة الأهل الاقتصادية، حيث يشهد كثير من الشباب كفاح أسرهم لتأمين الاحتياجات الأساسية، ما يدفعهم للابتعاد عن أنماط التبذير، والسعي لتحمل جزء من الأعباء، إذ لم يعد الجيل الشاب غريبًا عن الواقع، بل شريكا فعليا في تجاوزه.
واعتبر الخزاعي أن هذه التحولات تشير إلى نشوء ثقافة اقتصادية بديلة، مبنية على مفاهيم جديدة "الاعتماد على الذات" ، " والتكافل " ، لافتا إلى أن هناك تحولا ايضا في النظر إلى الوظيفة التقليدية كمصدر دخل كاف أو مستقر، بل بات الشباب يرون في المرونة وتعدد مصادر الدخل وسيلة لتحقيق الأمن الشخصي والاجتماعي، إلا أن ذلك يصطدم بالتنافسية العالية ومحدودية الفرص في سوق العمل المحلي.
وأمام تضخم كلف الحياة وانحسار الفرص، يجد شباب أردنيون أنفسهم مضطرين إلى إعادة رسم سلوكياتهم المالية وأنماط إنفاقهم بحثا عن ملاذات تحميهم من حالة "الإنكسار الاقتصادي" وتضمن لهم حدا أدنى من الاستقرار.
ووفقا لأحدث معطيات إحصائية رسمية ، بلغ معدل البطالة في الأردن خلال العام الماضي 21.4 % بانخفاض 0.6 % قياسا بعام 2023 ، في حين تشير المعطيات إلى أن 59.2 % من إجمالي المتعطلين هم من حملة الشهادة الثانوية فأعلى ويبلغ معدل البطالة بين حملة الشهادات الجامعية ممن يحملون شهادة بكالوريوس فأعلى نحو 26 %.
أما اليونسيف، فتقدر نسبة العاطلين عن العمل في الفئة العمرية بين 15 و30 سنة، بنحو 32 %، ووفقا لتقرير حول واقع انخراط الشباب الأردني في سوق العمل، تقدر دراسة لليونسيف نشرت عام 2022، بحث نحو 100 ألف شاب عن العمل سنويا، وبحسب الدراسة، يصنف الأردن، أن لديه ثالث أدنى معدل لمشاركة الإناث في القوة العاملة في العالم.
هذه النسبة المرتفعة من البطالة، إضافة إلى الظروف المعيشية الصعبة للأسر الأردنية خلال السنوات الأخيرة من تآكل الأجور وارتفاع التكاليف الحياتية وغيرها، نتيجة الأزمات السياسية والاقتصادية والوبائية عالميا وإقليميا، دفعت كثير من الشباب كالطالب الجامعي محمد دهمان إلى تغير أنماط إنفاقهم.
تجارب شخصية: نماذج لعادات
إنفاق جديدة
يقول محمد "منذ عام ونصف أصبحت أخطط لميزانية الشهر لتحديد أوجه الإنفاق الخاصة بي وألتزم في تطبيقها".
ويضيف " ما دفعني لذلك الأزمة المالية التي مررت بها خلال أول عامين جامعيين إذ كنت أنفق بوتيرة فوضوية تميل للتبذير".
محمد الذي بات على مشارف التخرج الجامعي يقول" لم أعد أتطلع إلى الحياة كمستهلك فقط أو أكتفي بالحصول على المصروف الخاص من العائلة، بل من تلقاء نفسي توجهت إلى سوق العمل خلال الأشهر الثمانية الأخيرة".
أما العشرينية بيان محمد، تؤكد أنها قررت تقنين شراء الألبسة والإكسسوارات إلى مرتين في العام، بدلا من الشراء كل شهرين أو أكثر، كما قررت ترشيد إنفاقها بشكل عام، إذ أصبح ما تحصل عليه من مصروف أسبوعي من قبل ذويها، تنفقه خلال عشرة أيام.
وتقول بيان التي ما تزال على مقاعد الدراسة الجامعية "قراري في تغيير عاداتي الإنفاقية والاستهلاكية، دافعه تخفيف الأعباء على أسرتها".
وتوضح بيان أنها تخطط خلال العطلة الصيفية المقبلة لاكتساب مهارات جديدة تمكنها من العمل عبر شبكة الإنترنت، بما يعزز من قدرتها على الإنفاق على نفسها عدا عن الادخار.
الثلاثيني غالب حمدان يقول "منذ بداية العام الحالي بدأت في تقنين استخدام سيارتي الخاصة في الذهاب إلى العمل، وأستخدم بدلا من ذلك المواصلات العامة، إذ يساعدني ذلك في خفض فاتورة نفقاتي الشهرية".
ويواصل غالب الذي يعمل في أحد مؤسسات القطاع الخاص الكبرى " الظروف الاقتصادية الراهنة والارتفاع المستمر في التكاليف ، يستوجب، التخلي عن بعض سلوكيات الإنفاق المبالغ فيه والمظاهر الاجتماعية".
ويؤكد غالب أنه يبحث عن تنويع مصادر دخله من خلال البحث عن عمل إضافي في الفترة المسائية، لافتا إلى هذه السنوات من عمر الإنسان الفرصة سانحة خلالها لتحسين الواقع المعيشي الخاصة به، قبل أن تستنزف طاقته وشغفه في العمل.
رؤية الاقتصاد السلوكي
وقال المختص في الاقتصاد السلوكي حسام عايش " هناك تحولات هائلة طرأت على ديناميكيات العقلية الاقتصادية في أوساط الشباب ، حيث أصبح يأسس سلوكه الإنفاقي على المستقبل، ويبتعد عن حالة الشطط في الإنفاق والتي عادة ما كان يتصف بها الشباب.
وأضاف " الظروف المعيشية الصعبة التي يعيش الاقتصاد الوطني في كنفها منذ سنوات عدة ، أوجد لديهم حالة من الوعي المالي والاقتصادي، لذا فأنماط الإنفاق لدى الأغلبية منهم تميل نحو الترشيد والابتعاد عن الإسراف غير العقلاني".
وأشار عايش إلى أن معاينة الأجيال الشابة الحالية للظروف الاقتصادية للأجيال التي سبقتهم دفعتهم إلى التعلم من تلك الاخطاء التي وقعوا بها ، لذا يمكن وصفه اليوم بالأكثر نضجا ماليا واقتصاديا.
وبين عايش أن ظاهرة العقلانية الإنفاقية لدى الشباب، ليست أردنية فحسب بل هي امتداد لظاهرة عالمية، يلحظها المختصون والباحثون، خاصة في ظل تأثر الشباب بمواقع التواصل الاجتماعي، التي قدمت نماذج عديدة من حول العالم لشباب أصحاب مشاريع كبرى ورجال أعمال ورياديين ، الأمر الذي لفت انتباه الأجيال الشابة إلى أهمية الوعي الاقتصادي والمالي.
ولفت عايش إلى أن نظرة الرفاهية الشخصية والحياتية تغيرت لدى الشباب ، الذين كانوا يبحثون عنها سابقا في مرحلة مبكرة من عمرهم ، إذ أصبح الاتجاه اليوم إلى بلوغها بعد الخمسين ، وتسخير الأعوام التي تسبق ذلك للعمل والاستثمار الذي يصل في نهاية المطاف إلى تلك الرفاهية المنشودة .
و أوضح عايش ، أن الكثير من الشباب الأردني اليوم يعمل في أكثر من وظيفة ، ولديه حرص دائم على إيجاد أكثر من مصدر دخل ، خاصة في ظل فرص العمل التي تتيحها التكنولوجيا لهم حاليا .
ثقافة الاعتماد على الذات
تغزو الشباب
من منظور علم الاجتماع، يرى أستاذ علم الاجتماع حسين الخزاعي ، أنه يمكن قراءة تحولات السلوك الاقتصادي لدى الشباب الأردني ناجمة عن محاولة التكيف مع ضغوط الواقع، فهذه الفئة العمرية لا تتحرّك فقط بدافع فردي لتحقيق الاستقرار، بل تتفاعل مع الواقع الاقتصادي والمعيشي المحيط بهم عائليا واجتماعيا، معتبرا ذلك توجه وتحول إيجابي للشباب.
ويؤكد الخزاعي، أن ما يسرع من هذا التغيّر هو الإدراك العميق من قبل الشباب لمعاناة الأهل الاقتصادية، حيث يشهد كثير من الشباب كفاح أسرهم لتأمين الاحتياجات الأساسية، ما يدفعهم للابتعاد عن أنماط التبذير، والسعي لتحمل جزء من الأعباء، إذ لم يعد الجيل الشاب غريبًا عن الواقع، بل شريكا فعليا في تجاوزه.
واعتبر الخزاعي أن هذه التحولات تشير إلى نشوء ثقافة اقتصادية بديلة، مبنية على مفاهيم جديدة "الاعتماد على الذات" ، " والتكافل " ، لافتا إلى أن هناك تحولا ايضا في النظر إلى الوظيفة التقليدية كمصدر دخل كاف أو مستقر، بل بات الشباب يرون في المرونة وتعدد مصادر الدخل وسيلة لتحقيق الأمن الشخصي والاجتماعي، إلا أن ذلك يصطدم بالتنافسية العالية ومحدودية الفرص في سوق العمل المحلي.
0 تعليق