loading ad...
على حين غرة، تناقلت وسائل إعلام عربية تسجيلا صوتيا للرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر، يتنصل فيه من قضية فلسطين، طارحا الحل السلمي، على عكس ما كان ينادي به في خطاباته الحماسية.اضافة اعلان
انبرى الناصريون للدفاع عبر المنصات الإعلامية، قائلين بأن المقطع قد جرى اجتزاؤه وانتزاعه من سياقه، فيما وجد مناوئو عبد الناصر هذا التسريب فرصة للتشكيك بصدق مبادئه التي «أسكَرَ» العالم العربي بها لأعوام، قبل أن يستيقظوا على وقع هزيمة العام 1967.
تساءلت لوهلة عما إذا كان التسجيل مختلقا عبر الذكاء الاصطناعي، لا سيما وأن مكتبة الإسكندرية الراعية للموقع الرسمي لجمال عبد الناصر نفت أن تكون هي من سرّب التسجيل، غير أن نجل عبد الناصر خرج ليقول إن التسجيلات لم تذع سرا، بل إنها محاضر موجودة تثبت أن والده كان «رجل سياسة» وليس ظاهرة صوتية كما يحلو للبعض تصنيفه!
كفلسطينية دفعت عائلتها أثمانا باهظة جرّاء نكسة الـ67، فإن عبد الناصر لم يكن بطلا. خسِرت وأهل قريتي أبو ديس أرضنا التي لا تبعد عن الحرم القدسي أكثر من ثلاثة كيلومترات. خسرناها للأبد. لا أوراق ثبوتية فلسطينية بحوزتنا لنعود إلى فلسطين حتى لزيارة قصيرة. سقط منا شهداء في تلك الحرب، وآخرون ابتلعهم نهر الأردن أثناء محاولات العودة للقرية لاحقا. عائلات أبو ديس باتت مقسومة ليس إلى قسمين في شطرين جغرافيين، فحسب، بل إلى أقسام في أصقاع عدة في هذه الدنيا. إرث ثقيل من الهزيمة والخوف من الملاحقات الأمنية طارد أهالي القرية. قسوة الخيام نهشت أجساد أجدادي، الذين غادروا الدنيا وهم يهجسون في لحظاتهم الأخيرة بالعودة إلى بيوتهم في أبو ديس. لا يمكن لي نسيان هذا المذاق المفرط في مرارته؛ إذ ألقى بظلاله عليّ حتى وإن كنت وُلِدت بعد حوالي عقدين من تلك الهزيمة.
على الرغم من الآنف، إلا أن توقيت التسريب، بعد خمسة وخمسين عاما من وفاة الرجل، ليس بريئا؛ إذ يأتي في مرحلة لا يقف فيها العربي عموما، والفلسطيني على نحو خاص، على أرضية ثابتة. كل شيء يتداعى، حتى بات مناصر القضية الفلسطينية يتحسس رأسه كل حين؛ مخافة أن تلتهمه المقصلة.
بات من يحلم بعودة فلسطين مصابا باضطراب ما بعد الصدمة، من وجهة نظر المعظم عربيا وليس عالميا. خطاب الكراهية ضد الفلسطينيين صار معلنا ولا خجل فيه أو مواربة في كثير من الدول العربية. ملامة الفلسطينيين على عدم قبول العروض المقدمة إليهم منذ قرار تقسيم الـ47 وحتى اللحظة باتت تُناقش علنا عبر القنوات التلفزيونية.
فوق المعطيات السابقة جميعها: قيادات فلسطينية هزيلة باتت تحرج الفلسطيني عوضا عن أن تمثله. شتائم سوقية عبر التسجيل المباشر. ملاسنات بين الفصائل التي تواجه النزع الأخير. فصيل في رام الله يعاني من موت سريري معلن، وفصيل في غزة ما يزال يرى بأنه انتصر حتى بعد استشهاد ما يزيد على واحد وخمسين ألف شهيد، عدا عن الجرحى ومبتوري الأطراف والأيتام والثكالى والأرامل ومن يواجهون المجاعة والمهجرين والبنية التحتية التي سُوّيت بالأرض.
في ظل السالف كله، وفي زيارة مرتقبة للمنطقة العربية، للرئيس الأميركي، الذي حوّل العالم إلى»سيرك» استعراضي في فترتيّ رئاسته، تأتي هذه التسريبات الجديدة، لتوصل الفلسطيني إلى نتيجة مفادها: اقبل بالأمر الواقع أو مت بصمت من دون أن تحدث جلبة.
يبدو أن القادم أشد قتامة مما مضى، وما هذا التسريب سوى محاولة توطئة لطروحات قادمة ليست في صالح الفلسطينيين وإن لبست لبوسا غير ذلك.
انبرى الناصريون للدفاع عبر المنصات الإعلامية، قائلين بأن المقطع قد جرى اجتزاؤه وانتزاعه من سياقه، فيما وجد مناوئو عبد الناصر هذا التسريب فرصة للتشكيك بصدق مبادئه التي «أسكَرَ» العالم العربي بها لأعوام، قبل أن يستيقظوا على وقع هزيمة العام 1967.
تساءلت لوهلة عما إذا كان التسجيل مختلقا عبر الذكاء الاصطناعي، لا سيما وأن مكتبة الإسكندرية الراعية للموقع الرسمي لجمال عبد الناصر نفت أن تكون هي من سرّب التسجيل، غير أن نجل عبد الناصر خرج ليقول إن التسجيلات لم تذع سرا، بل إنها محاضر موجودة تثبت أن والده كان «رجل سياسة» وليس ظاهرة صوتية كما يحلو للبعض تصنيفه!
كفلسطينية دفعت عائلتها أثمانا باهظة جرّاء نكسة الـ67، فإن عبد الناصر لم يكن بطلا. خسِرت وأهل قريتي أبو ديس أرضنا التي لا تبعد عن الحرم القدسي أكثر من ثلاثة كيلومترات. خسرناها للأبد. لا أوراق ثبوتية فلسطينية بحوزتنا لنعود إلى فلسطين حتى لزيارة قصيرة. سقط منا شهداء في تلك الحرب، وآخرون ابتلعهم نهر الأردن أثناء محاولات العودة للقرية لاحقا. عائلات أبو ديس باتت مقسومة ليس إلى قسمين في شطرين جغرافيين، فحسب، بل إلى أقسام في أصقاع عدة في هذه الدنيا. إرث ثقيل من الهزيمة والخوف من الملاحقات الأمنية طارد أهالي القرية. قسوة الخيام نهشت أجساد أجدادي، الذين غادروا الدنيا وهم يهجسون في لحظاتهم الأخيرة بالعودة إلى بيوتهم في أبو ديس. لا يمكن لي نسيان هذا المذاق المفرط في مرارته؛ إذ ألقى بظلاله عليّ حتى وإن كنت وُلِدت بعد حوالي عقدين من تلك الهزيمة.
على الرغم من الآنف، إلا أن توقيت التسريب، بعد خمسة وخمسين عاما من وفاة الرجل، ليس بريئا؛ إذ يأتي في مرحلة لا يقف فيها العربي عموما، والفلسطيني على نحو خاص، على أرضية ثابتة. كل شيء يتداعى، حتى بات مناصر القضية الفلسطينية يتحسس رأسه كل حين؛ مخافة أن تلتهمه المقصلة.
بات من يحلم بعودة فلسطين مصابا باضطراب ما بعد الصدمة، من وجهة نظر المعظم عربيا وليس عالميا. خطاب الكراهية ضد الفلسطينيين صار معلنا ولا خجل فيه أو مواربة في كثير من الدول العربية. ملامة الفلسطينيين على عدم قبول العروض المقدمة إليهم منذ قرار تقسيم الـ47 وحتى اللحظة باتت تُناقش علنا عبر القنوات التلفزيونية.
فوق المعطيات السابقة جميعها: قيادات فلسطينية هزيلة باتت تحرج الفلسطيني عوضا عن أن تمثله. شتائم سوقية عبر التسجيل المباشر. ملاسنات بين الفصائل التي تواجه النزع الأخير. فصيل في رام الله يعاني من موت سريري معلن، وفصيل في غزة ما يزال يرى بأنه انتصر حتى بعد استشهاد ما يزيد على واحد وخمسين ألف شهيد، عدا عن الجرحى ومبتوري الأطراف والأيتام والثكالى والأرامل ومن يواجهون المجاعة والمهجرين والبنية التحتية التي سُوّيت بالأرض.
في ظل السالف كله، وفي زيارة مرتقبة للمنطقة العربية، للرئيس الأميركي، الذي حوّل العالم إلى»سيرك» استعراضي في فترتيّ رئاسته، تأتي هذه التسريبات الجديدة، لتوصل الفلسطيني إلى نتيجة مفادها: اقبل بالأمر الواقع أو مت بصمت من دون أن تحدث جلبة.
يبدو أن القادم أشد قتامة مما مضى، وما هذا التسريب سوى محاولة توطئة لطروحات قادمة ليست في صالح الفلسطينيين وإن لبست لبوسا غير ذلك.
0 تعليق