تحديات الدمج التعليمي في الأردن: بين الواقع والمأمول

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

loading ad...

تاله كساب*

 

في كل فصل دراسي، هناك طفل يجلس في زاوية الصف ويحلم بأن يكون جزءًا من المجموعة، أن يُعامل كما يُعامل الآخرون، وأن يسمع صوته ويُرى جهده. التعليم الدامج لا يتعلق فقط بالسياسات أو القوانين، بل هو قبل كل شيء موقف إنساني يؤمن بأن لكل طفل، مهما كانت ظروفه، الحق الكامل في التعلم والنمو داخل مجتمع متقبل وداعم.اضافة اعلان

 


في الأردن، بدأت الدولة خطوات مهمة نحو تعزيز هذا المفهوم، فتبنّت وزارة التربية والتعليم منذ سنوات مبادئ التعليم الدامج، وأطلقت استراتيجيات وطنية مثل "الاستراتيجية الوطنية لتعليم الأشخاص ذوي الإعاقة 2020-2030" (وزارة التربية والتعليم، 2020). هذه الجهود شكّلت أساسًا جيدًا، لكنها ما زالت تحتاج إلى تفعيل حقيقي في المدارس والصفوف، حيث يواجه الميدان اليوم تحديات تعيق تحقيق الدمج الشامل والفعّال واحدة من التحديات الكبرى التي يواجهها الدمج في الأردن هي غياب الكوادر المتخصصة بشكل كافٍ كثير من المعلمين، رغم اجتهادهم، لم يتلقوا التدريب الذي يمكّنهم من دعم الطلبة ذوي الإعاقة بطريقة تربوية مناسبة (عياصرة، 2019). ونتيجة لذلك، يشعر بعض الأطفال بأنهم غير مفهومين أو غير قادرين على مجاراة أقرانهم.


إلا أن التحدي الأعمق يتمثل في المواقف المجتمعية تجاه الإعاقة، حيث لا تزال بعض الفئات تنظر إلى الطالب من ذوي الإعاقة باعتباره عبئًا أو حالة تستدعي الشفقة. وعندما تنتقل هذه النظرة إلى بيئة المدرسة، فقد تتجلى في سلوكيات إقصاء أو تنمر، ما يؤثر سلبًا على ثقة الطالب بنفسه وقدرته على التفاعل. وفي مثل هذه الظروف، لا يعاني الطالب وحده، بل تمتد المعاناة لتشمل أسرته التي تكافح من أجل حصوله على تعليم عادل وشامل.


في كثير من الأحيان، تفتقر المناهج الدراسية إلى المرونة اللازمة لاستيعاب الفروقات الفردية بين الطلبة، خصوصًا أولئك من ذوي الاحتياجات الخاصة. فهي تقدم بشكل موحد وجامد، دون مراعاة للتعديلات التربوية أو الأدوات المساعدة التي قد تسهّل الفهم والاستيعاب. وبدلاً من أن تكون المناهج وسيلة لتحفيز النمو الشخصي والمعرفي، تتحول في هذه الحالة إلى عبء إضافي يُثقل كاهل الطالب ويعيق تقدمه.


في أحد فصول كتاب - التعليم الدامج عند مفترق الطرق-  والذي حرره الباحثان آلان دايسون وآلان ميلوارد شُبّهت التحديات المعقدة بالفيل في الفصل الدراسي ذلك الأمر الضخم الذي يدرك وجوده الجميع لكن يفضل تجاهله الجميع.


في السياق العربي عامة لا يزال هذا الفيل حاضرا فكثير من السياسات تصاغ لتكون دامجة على الورق لكنها لا تترجم فعليا في الصفوف المدرسية يعود التحدي الحقيقي إلى تهيئة النظام التعليمي ليس فقط قبول الطفل داخل الصف.


ورغم كل ذلك، فإن الأمل لا يغيب. هناك معلمون يصنعون فرقًا حقيقيًا رغم ضعف الموارد، وهناك مدارس بدأت تشق طريقها نحو الدمج الحقيقي، وهناك أصوات بدأت تعلو تطالب بالتغيير. يرى كثير من التربويين أن الحل يبدأ من الإيمان بأن كل طفل يستحق فرصة، ثم يتطلب تنسيقًا بين الوزارات المعنية، وتدريبًا حقيقيًا للمعلمين، وتعديلات مرنة على المناهج، والأهم، بناء ثقافة مدرسية ومجتمعية قائمة على الاحترام والتقبل. (UNESCO, 2017).


التعليم الدامج ليس حلمًا بعيدًا، بل هو حق. وبين واقع مليء بالتحديات ومأمول يقترب كلما تعزز الإيمان بقيمة الإنسان، يمكن للأردن أن يكون نموذجًا ملهمًا في تحقيق العدالة التعليمية للجميع وهذا ما يتم العمل عليه وأملنا أن نلمس التغيير الحقيقي .

*أخصائية تربية خاصة – ماجستير تربية خاصة للطفولة.

المراجع:
الأمم المتحدة. (2006). اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة
وزارة التربية والتعليم. (2020). الاستراتيجية الوطنية لتعليم الأشخاص ذوي الإعاقة 2020-2030. عمان: وزارة التربية والتعليم الأردنية
عياصرة، خالد. (2019). واقع تدريب معلمي المدارس الحكومية على استراتيجيات التعليم الدامج في الأردن. مجلة التربية الخاصة والتأهيل، 7(3)، 45-62
دكتور خالد عياصرة – أستاذ مشارك في كلية العلوم التربوية جامعة عمان العربية
UNESCO. (2017). A Guide for Ensuring Inclusion and Equity in Education. Paris: UNESCO

 

 

 

اقرأ أيضاً: 

نقاط حول "دمج التعليم"

التربية: دمج 7.4% من الأطفال ذوي الإعاقة في المدارس"التربية": ارتفاع نسبة الطلبة ذوي الإعاقة من %1.9 إلى %7.4 بالتعليم الدامج

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق