الغياب قبل الامتحانات .. ظاهرة سلبية تؤرق الهيئة التدريسية ويبررها أولياء الأمور

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

مع اقتراب موعد الاختبارات النهائية تشهد العديد من المدارس في سلطنة عُمان تزايدًا ملحوظًا في معدلات غياب الطلبة، لصفوف الحلقة الثانية وما بعد الأساسي، أشار أولياء الأمور إلى أهمية تفعيل دور التثقيف والتوعية للحد من ظاهرة التغيب، كما أكد تربويون تساهل بعض الأسر لغياب أبنائهم مما يسهم في ترسيخ هذا السلوك لديهم مشيرين إلى ضرورة وضع قوانين صارمة تمنع الغياب قبل الامتحانات مما قد يشكّل آثارًا سلبية على المدى البعيد، وتجعل بقاء الطالب بالمدرسة من أجل المراجعات والاستفادة من نصائح المعلم وما يقدمه من استفادة.

تقول مايدة البوسعيدية مديرة مدرسة صورة للتعليم الأساسي: ظاهرة الغياب منتشرة بشكل كبير وخاصة في مراحل الحلقتين الثانية والثالثة، وقد يكون ذلك نتيجة شعور بعض الطلبة للحاجة لوقت إضافي للدراسة في البيت أو للشعور بالتوتر والضغط بسبب دسامة المناهج الدراسية والقلق من الامتحانات، ويكون أحيانًا نتيجة تأثير الأصدقاء أو حتى القناعة أن الحضور في الأيام الأخيرة غير مهم، وقد يكون للمعلم دور في الانتهاء من المنهج مبكرًا فيشعر الطالب بأنه ليس من الضروري الحضور، مشيرة إلى دور الأسرة السلبي أو الإيجابي في هذا الاتجاه، فإذا كانت تشجع الانضباط وتتابع الطالب، فغالبًا ما يلتزم بالحضور، وإن كانت متساهلة، فالمشكلة تكبر، مبيّنة أن معظم أمهات طلبة الصفوف (٥-٧) تشعر بالقلق والتوتر بأن الوقت لا يكفي لتدريس أبنائها وتشجعهم على الغياب.

تشاركها الرأي خالصة بنت سليمان الحمراشدية مديرة مدرسة أسماء بنت يزيد قائلة: إن غياب الطلبة قبل الامتحانات من الظواهر السلبية في المدارس والتي تحتاج إلى التفاتة جادة وإجراءات عملية في التعامل معها.

وأضافت الحمراشدية: السبب الرئيس لغياب الطلبة من وجهة نظري هي وجود ثقافة مغلوطة لدى أولياء الأمور بشكل عام والأمهات على وجه الخصوص تشجع على مثل هذه الظواهر، بجانب ارتفاع درجات الحرارة، وانتشار الفيروسات بين الطلبة في فترات معينة قد تتزامن مع مواعيد نهاية الفصل أحيانًا، إضافة إلى بعض الممارسات غير المرغوبة من قبل قلة من المعلمين ومنها عدم الالتزام بالبرنامج الزمني لسير المناهج الدراسية.

وأشارت إلى أن للأسرة دورًا بارزًا ومحوريًا في انتشار هذه الظاهرة وتفاقمها، ونحن بحاجة ماسة إلى تعديل قناعاتهم نحو أهمية دورهم في الحفاظ على زمن التعلم كشريك رئيس في العملية التربوية، وفي هذا الشأن أرى أننا بحاجة إلى إعادة النظر في نظام التقويم بمدارسنا وضرورة إيجاد فسحة أكبر للمتعة والتشويق لدى الطلبة، من خلال تحسين نظام الاختبارات من أجل إيجاد مخرجات تتعلم لتتطور وتطور وليس فقط من أجل الإجابة عن أسئلة الاختبارات التحريرية.

أبرز الأسباب.

وبيّن محمد بن عدي العبري مدير مدرسة بلعرب بن سلطان للتعليم الأساسي بولاية بهلا أن أبرز الأسباب التي تدفع بعض الطلبة إلى التغيب قبل الامتحانات طول الفصل الدراسي واليوم الدراسي، الذي يسبب شعورًا بالإرهاق لدى الطلبة، كما أن حاجة الطلبة إلى فترة مراجعة ذاتية تعد من الدوافع القوية، إذ يفضّل بعضهم الاستعداد في بيئة هادئة بعيدًا عن ضغط المدرسة، كما أن بداية الفصل الدراسي الثاني المتأخرة ونهايته التي تمتد إلى فصل الصيف، تؤثر على تركيز الطلبة بسبب ارتفاع درجات الحرارة والإرهاق العام، ما يجعل الغياب خيارًا نفسيًا للتخفيف.

وأكد العبري أن الإجراءات المتبعة حاليا في التعامل مع الغياب تعد غير كافية للردع، خصوصًا في ظل تساهل بعض الأسر التي تُبرّر الغياب، ما يُسهم في ترسيخ هذا السلوك سنة بعد أخرى، مشيرًا إلى أن من الدوافع التي تدفعهم للتغيب أيضا عدم التنوع في أساليب التدريس وعدم استخدام أساليب التعلم النشط التي تساعد الطلبة على التركيز وتنمية مهاراتهم وإبداء آرائهم، كما أن الضغط النفسي الناتج عن الامتحانات يدفع البعض إلى التغيب ظنًا منهم أن ذلك يجعلهم متهيئين أكثر للامتحانات.

شريفة بنت إمام البلوشية مديرة مدرسة تقول: إن الغياب الجماعي مشكلة كبيرة تعاني منها الإدارة المدرسية ويقع على عاتق الأسرة المسؤولية الأولى ويجب عليهم حث أبنائهم على الحضور واتباع القوانين خصوصا في مرحلة التعليم الأساسي من الحلقة الأولى حيث إن التغيب قبل انتهاء العام الدراسي أو بعد بدء العام يؤثر على الطالب ومستواه التحصلي في المراحل التعليمية التي سيمر بها مستقبلًا.

وأكدت على أهمية وضع حلول في المدرسة للحد من هذا السلوك المجتمعي من خلال عمل بوسترات وتوزيعها على أولياء الأمور ونشرها في الموقع الإلكتروني الخاص بالمدرسة وعلى منصات التواصل الاجتماعي وعمل حملات تثقيفية وتوعوية في الاجتماعات الخاصة بأولياء الأمور، مشيرة إلى أنه عند طرح ومناقشة هذه المشكلة مع أولياء الأمور يجمع أغلبهم أن فترة الاختبارات غير مناسبة للمراحل ويجب ترتيبها على أن تكون هناك فترة مناسبة بين كل مرحلة وأخرى لا تقل عن أسبوع ولا تزيد عن عشرة أيام على الأقل.

وتوضح ندى بنت رمضان البراكة رئيسة مجلس أولياء الأمور بمدرسة 23 يوليو أن المجلس يسعى لتفعيل دور التوعية والتثقيف من خلال تنفيذ برامج هادفة موجهة لأولياء الأمور تُبرز خطورة الغياب الجماعي على الطالب، وتدعو إلى تحمل المسؤولية المشتركة للحد من هذه الظاهرة، وشددت على أهمية تفعيل الأنشطة التعليمية والفعاليات المدرسية بشكل أوسع لجعل البيئة المدرسية جاذبة ومحفّزة، بما يدفع الطلبة إلى المواظبة على الحضور، كما دعت إلى ضرورة تطبيق اللوائح المعتمدة من وزارة التربية والتعليم بشأن الغياب الجماعي.

ويقول الشيخ ناصر بن علي هبيس رئيس مجلس أولياء الأمور بمدرسة الإمام الغزالي ورئيس لجنة التعليم بمجلس أولياء الأمور بولاية صلالة: إن هناك جهودًا متواصلة تُبذل لمواجهة ظاهرة الغياب الجماعي، من خلال زيارات ميدانية متكررة للمدارس تنفذها اللجان التعليمية في محافظة ظفار، إلى جانب حملات التوعية والتثقيف المستمر التي تستهدف أولياء الأمور في مختلف ولايات المحافظة.

وأضاف: إن هناك تنسيقًا فعّالًا بين مجالس أولياء الأمور من أجل التصدي لهذا السلوك المجتمعي السلبي، والعمل على توعية أولياء الأمور بأثر الغياب على المستوى التحصيلي للطلبة.

ولفت إلى أن هناك حراكًا ملموسًا للحد من تفشي الظاهرة، مشددًا على ضرورة التركيز على تحفيز المعلم باعتباره محور العملية التعليمية، وتحفيز الطالب وولي الأمر كذلك، بما يسهم في إيجاد بيئة تعليمية مستقرة تساعد على تقليص هذه الظاهرة تدريجيًا.

مسؤولية مشتركة

وفي السياق قال عبدالله الهاشمي أخصائي تربوي وأسري: تغيب الطلبة قبل الاختبارات ظاهرة ملحوظة ومنتشرة في العديد من المدارس بالمحافظات خاصة في مدارس الذكور والحلقة الثانية وما بعد الأساسي، ومن أهم الأسباب التي تدفع الطلبة للتغيب هو الانتهاء من المناهج ووجودهم يشكل وقت فراغ وتبقى فقط أيام مراجعة يعتبرها البعض غير ضرورية ورغبتهم في المذاكرة بالمنزل، بالإضافة إلى أن بعض الأسر تتساهل في موضوع الغياب.

وأضاف: قد يرجع سبب الغياب أيضًا لوجود أساليب مملة من قبل بعض المعلمين في طريقة المراجعة لا يتقبله الطالب وتشكل عبئًا له ويفضل المراجعة والمذاكرة في المنزل، مع أن الامتحانات تشكل ضغوطات وقلقًا وتوترًا للطالب ويرغب في أخذ فترة نقاهة بمدة كافية قبل الامتحانات النهائية، مشيرًا إلى أن الغياب قبل الامتحان يؤثر على مستوى الطالب التحصيلي وقد يفقده الكثير من المعلومات خلال فترة المراجعة، حيث يقدم المعلم بعض التجارب والملخصات المفيدة للطلبة بطريقة سهلة وبسيطة.

وأشار الهاشمي إلى أن هناك مسؤولية مشتركة لمواجهة الظاهرة، فالطالب هو من يتخذ قرار الغياب ويؤثر عليه كذلك أقرانه وعدم وجود الوعي في ذلك، والمدرسة وطريقة الإدارة في موضوع الغياب والتعامل معه، وعدم وجود حوافز مشجعة في الحصص من أجل حضور الطلبة، بالإضافة إلى دور الأسرة ومدى متابعتها ورقابتها في هذا الشأن.

ويدعو الهاشمي إلى ضرورة وضع قوانين صارمة تمنع الغياب قبل الامتحانات لأن ذلك يشكّل آثارًا سلبية على المدى البعيد، ⁠وضرورة بقاء الطالب بالمدرسة من أجل المراجعات والاستفادة من نصائح المعلم وما يقدمه من استفادة.

سلوكيات سلبية

ويؤكد المعلم محمد حسن أن الغياب الجماعي بدون أعذار وعلى فترات متقطعة يشكّل أحد أبرز التحديات التي تواجه إدارات المدارس، والتي تبذل جهودًا حثيثة لمواجهتها بسبب تأثيرها السلبي المباشر على التحصيل الدراسي، خصوصًا في المراحل النهائية من الفصلين الأول والثاني، حيث تزداد أهمية الحضور نظرًا لطول وكثافة المناهج.

ويضيف: غياب الطالب في هذه المرحلة يزرع فيه سلوك اللامبالاة، ويضعف احترامه للنظام، ما قد ينعكس لاحقًا على شخصيته، ويؤثر في قدرته على اتخاذ قرارات مستقلة تخصه مستقبلًا.

من جانبه، عبّر المعلم حكيم عاشور معلم في الحلقة الثانية، عن قلقه من تفاقم الظاهرة، قائلًا: الغياب الجماعي بات يؤرق المعلمين، خاصة في الحلقة الثانية، حيث نُفاجأ بوصول طلبة لا يُجيدون القراءة والكتابة أو حتى التعرف على الأرقام، بسبب التغيب المتكرر.

وأشار إلى أن الظاهرة أصبحت سلوكًا مجتمعيًا سلبيًا تبدأ جذوره من الأسرة، ثم تمتد إلى الأبناء وتنعكس على ممارساتهم التعليمية.

كما شددت المعلم آيات خميس على الدور الحيوي للأسرة والمدرسة في التصدي للظاهرة، معتبرة أن ضعف التواصل بين الطرفين يفاقم من المشكلة.

وقالت: غياب أولياء الأمور عن الاجتماعات المدرسية، وقلة زياراتهم للمدرسة، وعدم متابعتهم لأداء أبنائهم، كلها عوامل تُسهم في ترسيخ السلوك السلبي لدى الطالب، وتُضعف وعي المجتمع بأهمية التفاعل مع البيئة المدرسية.

أولياء الأمور

وعبّر عدد من أولياء الأمور عن وجهات نظرهم حيال ظاهرة الغياب الجماعي، تقول حنين ناصر (أم تيمور): أنا لا أسعى إلى تغيب ابني، لكن هناك ظروفًا تضطرني لذلك، أهمها غياب المعلمات المتكرر دون توفير بديل، ما يؤدي إلى ضياع الحصص وعدم تحقيق أي استفادة تعليمية.

وأشارت إلى أن افتقار بعض المعلمات للتأهيل التربوي وعدم توفر بيئة جاذبة في المدرسة، يجعل الطالب غير متحمس للحضور وفاقدًا الرغبة في التعلّم.

من جانبها، أوضحت منى الراعي أنها لا تؤيد الغياب، لكنها تجد نفسها مضطرة إليه بسبب «الاتفاقات الجماعية بين الأمهات» والتي تبدأ عادة من منتصف الفصل الدراسي. وأضافت: «كيف أرسل ابني للمدرسة وجميع زملائه غائبون؟» وانتقدت كذلك غياب المعلمات بسبب حلقات العمل والتدريبات، متسائلة عن سبب عدم جدولة هذه البرامج في نهاية العام الدراسي أو قبله، بالتنسيق مع الجهات المعنية.

أما سلوى عامر، فترى أن منصات التواصل الاجتماعي، وتحديدًا «جروبات الواتساب» بين الأمهات، تعد من أبرز أسباب تفشي الظاهرة، إذ يبدأ الأمر بمبادرة من ولية أمر تقترح الغياب، لتتبعها البقية دون وعي بعواقب هذا السلوك على الطلبة.

وترى زمزم علي أن الغياب الجماعي في مدارس الحلقة الأولى أصبح «موعدا سنويا» يبدأ في نهاية الفصل، وينتشر بين الأمهات من خلال الاجتماعات والاتفاقات.

وأضافت: رغم الضغوط، أحرص على إرسال ابني للمدرسة، ولكن المشكلة تطورت حتى وصلت إلى سائقي الحافلات الذين يرفضون توصيل الطلاب في ظل انخفاض أعدادهم، بحجة عدم وجود دراسة.

بدوره شدد فهد بن سالم بن سعيد على ضرورة توفير بيئة تعليمية جاذبة للطالب داخل المدرسة، معتبرًا أن ذلك يسهم في بناء شخصية الطالب ويزيد من شغفه بالتعلم.

ودعا إلى تفعيل دور التوعية والتثقيف لأولياء الأمور من خلال برامج مخصصة لتعزيز الوعي بأهمية الحضور المدرسي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق