
السبيل – خاص
وجّه الجنرال الإسرائيلي المتقاعد إسحق بريك، المعروف بانتقاداته الصريحة للمؤسسة العسكرية، في مقاله الأخير بصحيفة “هآرتس” العبرية، ما يمكن اعتباره أخطر تشخيص داخلي حتى الآن لمسار الحرب على غزة، محذرًا من أن استمرارها لن يؤدي إلا إلى موت الجنود، ومقتل الأسرى، وانهيار الدولة من الداخل.
يقول بريك: “لن نهزم حماس لأنه لا يمكن للجيش الآن هزيمتها… سنخرج من الحرب مع الشعور بالإهانة والخسارة، مع الذيل بين الأرجل، كما خرج الجيش الأمريكي من فيتنام وأفغانستان”.
ولم يقتصر تحذير بريك على النتائج العسكرية، فهو يرى أن “إسرائيل” تخسر على كل الجبهات: سياسيًا، اجتماعيًا، اقتصاديًا، وأخلاقيًا. فالحرب لم تعد تضعف غزة، بقدر ما تضعف الداخل الإسرائيلي، وتكشف هشاشته، وفق تعبيره.
وبحسب تقييمه؛ فإن التهديد الأكبر اليوم لا يأتي من حماس، ولا من حزب الله، بل من القيادة السياسية ذاتها، التي وصفها بـ”غير العقلانية، المسيحانية، والمقطوعة عن الواقع”، مؤكدًا أنها تستخدم الجيش لخدمة مصالحها الضيقة، ولو على حساب أمن الدولة واستقرارها.
ويمضي في تفكيك المشهد بشكل غير مسبوق من داخل المؤسسة الأمنية، قائلًا: “الانفجار الاجتماعي في إسرائيل سيرتفع درجة، والمناعة الوطنية ستتحطم… وبين الوضع الاجتماعي السيء القائم وبين الحرب الأهلية ستكون فقط خطوة”.
ويضيف في واحدة من أخطر إشاراته إلى المستقبل القريب: “سنفقد قدرتنا الاقتصادية، ولن تكون لدينا الأموال لترميم الجيش أو المستوطنات… الأشخاص الممتازون سيهربون من البلاد”.
هذا الاعتراف الصريح يسلّط الضوء على الهوة المتزايدة بين الرواية الرسمية وبين الواقع على الأرض: جنود يُقتلون بلا جدوى، أسرى مهددون بالموت في الأنفاق، الاقتصاد ينهار، والعلاقات الدولية تتآكل، بينما تتصرف القيادة وكأن شيئًا لم يحدث.
أكثر من ذلك؛ يشير بريك إلى أن ما يجري ليس سوء تقدير عابر، بل مشروع قيادة فاقدة للبوصلة، تجرّ البلاد إلى كارثة حتمية: “زعماؤنا يستخدمون الجيش كأداة لخدمة مصالحهم الضيقة… وعلى رأس الجيش رئيس أركان ضعيف، ليست لديه الشجاعة لإخبارهم بالحقيقة”.
وفي نهاية مقاله، يضع بريك مفتاح الحل في يد الشارع الإسرائيلي، لا في يد النظام السياسي: “لا تتخيلوا أن التغيير سيأتي من أعلى… فقط إذا خرج الملايين إلى الشوارع واستبدلوا الحكم، يمكن إنقاذ الدولة من التهديد الداخلي الوجودي”.
إنها ليست دعوة للعصيان فحسب، بل إعلان فقدان الثقة الكامل بكل أدوات الحكم الحالية. فحين تصل التحذيرات إلى هذا المستوى – ومن شخصية بمكانة بريك – يصبح من المشروع أن نتساءل: هل دخلت الكيان الإسرائيلي فعليًا مرحلة العد التنازلي لانفجار داخلي؟ وهل باتت ملامح “النهاية من الداخل” أقرب من أي تهديد خارجي؟
0 تعليق