loading ad...
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
لا يملك الفلسطينيون ترف انتظار أن يصبح لحالة الهلع الأخلاقي الغربية رأي أو تأثير. إن عدم الخضوع لهذا الهلع هو خطوة صغيرة، لكنها مهمة، نحو بناء شبكة فلسطينية عالمية تمس الحاجة إليها بشدة.اضافة اعلان
***
تثير ردود الفعل في العالم الغربي على الوضع في قطاع غزة والضفة الغربية سؤالاً مقلقًا: لماذا الغرب الرسمي، وأوروبا الغربية الرسمية على وجه الخصوص، غير مبالين إلى هذا الحد بمعاناة الفلسطينيين؟
لماذا يتواطأ الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة، بشكل مباشر وغير مباشر، في إدامة الوحشية اليومية في فلسطين -وهو تواطؤ بالغ الوضوح حتى أنه ربما كان أحد أسباب خسارتهم في الانتخابات، حيث إن التصويت العربي الأميركي والتقدمي في الولايات الرئيسية لا يستطيع -وله في فعل ذلك كل مبرِّر- سوى ألا يغفر لإدارة بايدن على دورها في الإبادة الجماعية الجارية في قطاع غزة؟
هذا سؤال وجيه، بالنظر إلى أننا نتعامل مع إبادة جماعية تُبث على شاشات التلفزة مباشرة، تم استئنافها الآن على أرض الواقع. وهي تختلف عن فترات سابقة ظهرت فيها اللامبالاة والتواطؤ الغربيان، سواء في النكبة الفلسطينية أو في سنوات الاحتلال الطويلة منذ العام 1967.
خلال النكبة وحتى العام 1967، لم يكن من السهل الحصول على المعلومات. وبعد العام 1967، كان القمع تدريجيًا في الغالب. ولذلك تجاهلته وسائل الإعلام والسياسة الغربية التي رفضت الاعتراف بتأثيره التراكمي على الفلسطينيين.
لكن هذه الأشهر الثمانية عشر الأخيرة مختلفة تمامًا. ولا يمكن وصف تجاهل الإبادة الجماعية في قطاع غزة والتطهير العرقي في الضفة الغربية إلا بأنه متعمد وليس ناجمًا عن الجهل. إن تصرفات الإسرائيليين والخطاب المصاحب لها واضحة للغاية بحيث لا يمكن تجاهلها، ما لم يختر السياسيون والأكاديميون والصحفيون أن يفعلوا ذلك.
هذا النوع من التجاهل هو، أولاً وقبل كل شيء، نتيجة للضغط الإسرائيلي الناجح الذي ازدهر على أرض خصبة لعقدة الذنب الأوروبية، والعنصرية، والإسلاموفوبيا. وفي حالة الولايات المتحدة، يجيء هذا التجاهل أيضًا نتيجة لسنوات عديدة من عمل آلة ضغط فعالة وقاسية تجرؤ قلة قليلة في الأوساط الأكاديمية ووسائل الإعلام، وخاصة السياسة، على عصيانها.
تعرف هذه الظاهرة في الدراسات الحديثة باسم "الذعر الأخلاقي"، وهي سمة مميزة جدًا للقطاعات الأكثر وعيًا في المجتمعات الغربية: المثقفين، والصحفيين، والفنانين.
الذعر الأخلاقي هو الموقف الذي يخاف فيه الشخص من الالتزام بقناعاته الأخلاقية لأن هذا الالتزام يتطلب بعض الشجاعة التي قد تكون لها عواقب. نحن لا نخضع دائمًا للاختبار في المواقف التي تتطلب الشجاعة، أو على الأقل النزاهة. وعندما يحدث ذلك فعليًا، فإنه قد يكون في المواقف التي لا تكون فيها الأخلاق فكرة مجردة وإنما دعوة إلى العمل.
هذا هو السبب في أن العديد من الألمان التزموا الصمت عندما تم إرسال اليهود إلى معسكرات الإبادة؛ وهو السبب في أن الأميركيين البيض وقفوا مكتوفي الأيدي عندما تم إعدام الأميركيين الأفارقة من دون محاكمة -أو في وقت سابق عندما تم استعبادهم وإساءة معاملتهم.
ما الثمن الذي سيتعين على كبار الصحفيين الغربيين أو السياسيين المخضرمين أو الأساتذة الدائمين أو الرؤساء التنفيذيين لشركاتa معروفة دفعه إذا ألقوا باللوم على إسرائيل في ارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة؟
يبدو أنهم قلقون بشأن نتيجتين محتملتين. الأولى هي إدانتهم باعتبارهم معادين للسامية أو منكرين للهولوكوست؛ والثانية، يخشون أن يؤدي رد فعلهم الصادق إلى نقاش سيشمل تواطؤ بلدهم، أو أوروبا، أو الغرب بشكل عام، في تمكين الإبادة الجماعية وجميع السياسات الإجرامية ضد الفلسطينيين التي سبقتها.
هذا الذعر الأخلاقي يؤدي إلى بعض الظواهر المذهلة. وبشكل عام، يحوِّل الأشخاص المتعلمين وذوي الوضوح العالي في الخطاب والمعرفة إلى أغبياء تمامًا عندما يتحدثون عن فلسطين. ويمنع أعضاء الأجهزة الأمنية الأكثر إدراكًا وتفكيرًا من فحص المطالب الإسرائيلية بإدراج جميع المقاومة الفلسطينية في قائمة الإرهاب، ويجرد الضحايا الفلسطينيين من إنسانيتهم في وسائل الإعلام الرئيسية.
ظهر هذا الافتقار إلى التعاطف والتضامن الأساسي مع ضحايا الإبادة الجماعية من خلال المعايير المزدوجة التي أظهرتها وسائل الإعلام الرئيسية في الغرب، وخاصة الصحف الأكثر عراقة في الولايات المتحدة، مثل "نيويورك تايمز" و"الواشنطن بوست". عندما فقد رئيس تحرير صحيفة "ذا بالستاين كرونيكل"، الدكتور رمزي بارود، 56 فردًا من عائلته -قتلتهم إسرائيل في حملة الإبادة الجماعية الإسرائيلية في قطاع غزة- لم يكلف أحد من زملائه في الصحافة الأميركية نفسه عناء التحدث معه أو إظهار أي اهتمام بالاستماع عن هذه الفظائع. ومن ناحية أخرى، أثار ادعاء إسرائيلي ملفق بوجود صلة بين "ذا كرونيكل" وعائلة كان رهائن قد احتجزوا في مجمع الشقق الذي تقيم فيه اهتمامًا كبيرًا من هذه المنافذ ولفت انتباهها.
هذا الخلل في الإنسانية والتضامن هو مجرد مثال واحد على التشوهات التي يجلبها الذعر الأخلاقي في ركابه. وليس لدي أدنى شك في أن الأعمال ضد الطلاب الفلسطينيين أو المؤيدين للفلسطينيين في الولايات المتحدة، أو ضد نشطاء معروفين في بريطانيا وفرنسا، وكذلك اعتقال رئيس تحرير موقع "الانتفاضة الإلكترونية"، علي أبو نعمة، في سويسرا، هي كلها مظاهر لهذا السلوك الأخلاقي المشوه.
وحصلَت حالة مشابهة مؤخرًا في أستراليا: أُحيلت ماري كوستاكيديس، الصحفية الأسترالية الشهيرة والمقدمة السابقة للبرنامج الليلي في وقت الذورة "نشرة أخبار العالم الرئيسية على قناة إس. بي. إس"، إلى المحكمة الفيدرالية بسبب تغطيتها -التي يمكن للمرء وصفها بأنها مروضة جدًا- للوضع في قطاع غزة. ويُظهر مجرد كون المحكمة لم ترفض هذه الدعوى فور وصولها مدى تجذّر وعمق الهلع الأخلاقي في دول الشمال العالمي.
لكن هناك جانبًا آخر لهذا. لحسن الحظ، هناك مجموعة أكبر بكثير من الناس الذين لا يخشون المخاطرة التي ينطوي عليها التعبير بوضوح عن دعمهم للفلسطينيين، والذين يُظهرون هذا التضامن مع علمهم بأن ذلك قد يؤدي إلى تعليق الدراسة، أو الترحيل، أو حتى السجن. ولا يمكن العثور على هؤلاء الناس بسهولة في الأوساط الأكاديمية أو وسائل الإعلام أو السياسة السائدة، لكنهم الصوت الحقيقي والصادق لمجتمعاتهم في أجزاء كثيرة من العالم الغربي.
لا يملك الفلسطينيون رفاهية انتظار أن يكون للذعر الأخلاقي الغربي رأيه أو تأثيره. إن عدم الرضوخ لهذا الذعر هو خطوة صغيرة -ولكنها مهمة- على طريق بناء شبكة فلسطينية عالمية مطلوبة بشكل عاجل -أولاً لوقف تدمير فلسطين وشعبها؛ وثانيًا، لتهيئة الظروف لفلسطين متحررة من الاستعمار وحرة في المستقبل.
*إيلان بابيه Ilan Pappé: أستاذ في جامعة إكستر. كان سابقا محاضرًا أول في العلوم السياسية في جامعة حيفا. وهو مؤلف كتب "التطهير العرقي لفلسطين" The Ethnic Cleansing of Palestine؛ "والشرق الأوسط الحديث" The Modern Middle East؛ و"تاريخ فلسطين الحديثة: أرض واحدة وشعبان" A History of Modern Palestine: One Land, Two Peoples؛ و"عشر أساطير عن إسرائيل" Ten Myths about Israel. وهو المحرر المشارك، مع رمزي بارود، لكتاب "رؤيتنا للتحرير" Our Vision for Liberation. يوصف بابيه بأنه أحد "المؤرخين الجدد" في إسرائيل الذين، منذ إصدار وثائق الحكومة البريطانية والإسرائيلية ذات الصلة في أوائل الثمانينيات، يعيدون كتابة تاريخ إنشاء إسرائيل في العام 1948.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: On ‘Moral Panic’ and the Courage to Speak: The West’s Silence on Gaza
0 تعليق