ظلّنا يتكلم بما دسسنا

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بينما كانت منال تهمّ بالخروج، سألها ابنها المراهق: 
– ماما، إلى أين أنت ذاهبة؟ 
نظرت إليه بحدّة وقالت:
– لم يبقَ إلا أنت لتسألني! 
تفاجأ من ردّها، لكنها خرجت وصفقت الباب خلفها.

في السيارة، شعرت بالندم، واستحضرت براءة سؤال ابنها وانفعالها غير المبرّر. قررت أن تُرضيه بهدية.

بعد أيام، وبينما كان زوجها منهمكاً في القراءة، قالت له: "حبيبي، سأخرج قليلاً"، فردَّ: "إلى أين؟" لم تُجب، وخرجت، قادت سيارتها وتجاوزت الإشارة الحمراء لا مبالية. ثم أدركت ما فعلت واستغربت من تصرّفها، وأخذت تبكي.

مشهدان بدت فيهما تصرفات منال غريبة حتى على نفسها.

يصف عالم النفس كارل يونغ ذلك بشخصية الظل فينا التي نخفيها عن الآخرين، وأحياناً عن أنفسنا، لأنها لا تتماشى مع شخصيتنا الظاهرة "القناع" الذي نحب أن يرانا بها المجتمع. ويقول يونغ: "What you resist, persists" أي "ما تقاومه، يستمر"، أي أنَّ إنكار ما نخفيه لا يُلغيه، بل يمنحه طاقة خفية، تظهر لاحقاً بتصرّفات غير مفهومة.

شخصية الظل في منال تحمل مشاعرها الدفينة بالحاجة للخصوصية والاحتواء، وكإنسانة لها كيان مستقل داخل العلاقة الزوجية – تماماً كما تُعامل هي زوجها فلا تُسائله حين يخرج، بل تترك له حرية إبلاغها من عدمه. لكنها أخفت مشاعرها خلف قناع القوة والاستقلال التي تتمتع به في الوظيفة والمجتمع. ولم تُخبر زوجها بحقها بوضوح، فعبّر ظلها عن ذلك بانفعالات غير واعية: مرّة في تصرّف حاد مع ابنها، وأخرى في التمرّد على إشارة المرور!

شخصية الظل لا تحمل فقط الجوانب المظلمة كالغضب أو الألم، بل تشمل أيضاً المواهب والطاقات الإبداعية والصفات الإيجابية التي لا تجد قبولاً أو تشجيعاً في المجتمع، فيقوم المرء بكبتها. كأن تكبت المرأة قوة شخصيتها في مجتمع يربط المرأة بالتبعية، أو يُخفي الرجل حنيته في بيئة تعتبر القسوة رجولة، وهكذا تُدفن الطاقات في الظل، بدلاً من استثمارها لارتقاء المجتمع.

ليس المطلوب إنكار "الظل"، بل فهمه واحتواؤه، والسعي إلى التكامل بينه وبين شخصيتنا الظاهرة. ويبدأ ذلك بالتأمل في الذات: ما الذي يزعجني؟ ولماذا؟ وما القاسم المشترك في المواقف التي تنفلت فيها ردود أفعالي؟ بهذا الوعي نُزكّي نفوسنا باستثمار طاقاتنا، كما أمرنا الله سبحانه، لا بكبتها وإنكارها: "وقد خاب من دسّاها" – أي أخفاها أو دفنها.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق