الاقتصاد الثقافي: معرض مسقط الدولي للكتاب أنموذجًا

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يعد الاقتصاد الثقافي أحد المفاهيم التي لم يسلط عليها الضوء كثيرا ولم تحظ بنقاشات على نطاق واسع بين المثقفين والمهتمين بالمجال الثقافي. ربما يعود ذلك إلى أن الباحثين الاقتصاديين تعمّقوا في المفهوم من جانب ربحي واستثماري أكثر من تسليط الضوء عليه من فئة المثقفين والكتّاب، وبالتالي لم تطرح أسئلة كثيرة حوله ولم يناقش على نطاق واسع في المناسبات والمحافل الثقافية، والاقتصاد الثقافي تعرّفه بعض المصادر على أنه المكان الذي تتقاطع فيه الأفكار الاقتصادية مع الإبداع والقيم الاجتماعية، حيث أصبح جزءًا من الدراسات الاقتصادية، ورغم ذلك فإن الاقتصاد الثقافي في رأيي ما زال حاضرا في كثير من الفعاليات الثقافية كمعارض الكتاب مثل معرض مسقط الدولي للكتاب، الذي يعد أحد المحافل الثقافية التي ينتظرها أفراد المجتمع سنويا؛ لتفرده بالفعاليات والمناشط المقامة ويضم بين أركانه عديد الإصدارات المفيدة القيّمة لجميع أفراد المجتمع.

والاقتصاد الثقافي هو أحد أنواع الاقتصاد الإبداعي ويعد أحد المصطلحات والمفاهيم الحديثة لكنه أثرى كثيرا المجالات الثقافية والاقتصادية؛ للعلاقة الوثيقة بين المجالين عبر دمج قطاعي الثقافة والفنون بالاقتصاد من خلال توزيع الأعمال الفنية والثقافية وتوزيعها على عامة أفراد المجتمع، إضافة إلى الاستثمار في القطاع الثقافي عبر تمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتشجيعها على الاستثمار في الاقتصاد الإبداعي.

وأظن أنه من الجيد والمهم خلال الفترة المقبلة الاشتغال على تفعيل الاقتصاد الثقافي عبر ابتكار نماذج جديدة تؤدي إلى إحداث تغيير فاعل في طرق الاستثمار في القطاع؛ بهدف تحقيق اقتصاد إبداعي حقيقي بتوثيق العلاقة بين الاقتصاد والثقافة من خلال الاستفادة من الاقتصاد القائم على المعرفة الذي يعد أحد العوامل الرئيسة المعززة للنمو الاقتصادي ورفع مستوى إنتاجيته؛ خاصة في ظل التحول الاقتصادي الذي يشهده العالم منذ سنوات نحو الاستفادة من الذكاء البشري في بناء القدرات المعرفية واستقطاب الكفاءات في مختلف المجالات.

إنَّ الحراك الثقافي الذي تشهده سلطنة عُمان عبر إقامة الفعاليات والمحافل الثقافية دليلٌ على سعيها الدؤوب لتنمية الاقتصاد الثقافي من خلال حرصها على إقامة معرض مسقط الدولي للكتاب سنويا، حيث يجتمع المثقفون والكتّاب والمهتمون بالمجال الثقافي؛ لتعزيز المعارف وإثراء الجوانب الثقافية التي بلا شك ستنعكس إيجابا على حجم الاقتصاد المعرفي في سلطنة عُمان.

ورغم أهمية الاقتصاد المعرفي، فإنه لا توجد مؤشرات واضحة لقياس نجاح الاقتصاد المعرفي، مما يستدعي الاشتغال على تشخيص واقع هذا النوع من الاقتصاد، ربما يعود ذلك إلى أن عددا من الاقتصاديين يعتقدون أن نجاح الاقتصاد الثقافي يعتمد كثيرا على حجم التمويل للأنشطة الثقافية. وأعتقد أنَّ تشخيص واقع الاقتصاد الثقافي يتطلب استراتيجية شاملة يتم الاشتغال من خلالها على دراسة تقييم عناصر القوة والضعف والفرص والتهديدات، مع وضع مؤشرات قياس الأداء، وتتضمن الاستراتيجية كذلك دراسة واقع الاستثمار في الاقتصاد الثقافي، أيضا من الجيد أن يتم تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص من خلال تشجيع المثقفين بمختلف مجالاتهم لإنشاء شركات صغيرة ومتوسطة للاستثمار في القطاع الثقافي أو الاستثمار في الخدمات المرتبطة به، حيث تقدّر عائدات الاقتصاد الثقافي عالميا وفقا لبعض المصادر بنحو 2.25 تريليون دولار سنويا، ويسهم في إيجاد فرص عمل بصورة مستمرة، إذ تشير الأرقام والإحصاءات إلى أن الاقتصاد الثقافي يحوي 30 مليون موظف، ويمثل 3% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بسبب قابليته على النمو السريع والتطوير.

في رأيي، أعتقد أننا بحاجة إلى تكريس أهمية الاقتصاد الثقافي في المجتمع بعيدا عن مناقشته من جانب اقتصادي بحت بحيث لا يتم التفاعل معه على أساس إنتاج مادي يُقابله ربح مالي بل إنتاجٌ بغرض المعرفة، فالاقتصاد الثقافي هو أن يكون الفرد مبدعا في التعبير عن فكرته بحيث يجعل المتلقي مشاركًا له في فهمها أو مناقشتها؛ لأن الفكر الثقافي والإبداعي مختلف تماما عن الفكر الاقتصادي، فهو ليس سلعة أو منتجا ملموسا بقدر ما هو مخزون من المعارف والأفكار الإبداعية ولا تقبل التملك الفردي أو الاحتكار أو المضاربة مثلما يحدث في الفلسفة الاقتصادية، فالمخزون المعرفي للفرد يترجمه الجسد البشري سلوكا يعبّر عن تفاعل الفرد مع محيطه حيث إن تنمية الاقتصاد الثقافي ونجاحه يعتمد كليًّا على السلوك الثقافي وفقا لمستوى ثقافة أفراد المجتمع واستجابتهم للمتغيرات من حولهم.

إن العلاقة بين الاقتصاد والثقافة تتقاطع في استخدام القيم الاقتصادية التي أوجدتها الثقافة في الأساس كاستخدام التحليل الاقتصادي في دراسة العلاقة بين صناعة الأفلام على سبيل المثال والتسويق مع الأخذ في الحسبان المبادئ الاقتصادية كاستخدام البيانات الإحصائية في تفسير بعض المشكلات ومعالجتها التي تواجه الاقتصاد الثقافي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق