عُمان والجزائر.. شراكة استراتيجية بجذور تاريخية

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

اختتم حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- زيارة تاريخية ناجحة إلى الجزائر. وقد أسفرت الزيارة عن توقيع شراكات اقتصادية استراتيجية، تمهّد لمرحلة جديدة من التعاون البناء بين البلدين الشقيقين اللذين يملكان الكثير من المقومات الاجتماعية والمعرفية التي تمكنهما من فتح مسارات تعاون اقتصادي تعزز التقارب الاجتماعي والثقافي.

وعكس البيان المشترك في ختام الزيارة مضامين سياسية واقتصادية عميقة، يمكن عبرها قراءة أهمية الزيارة واستشراف مستقبل التعاون بين البلدين بدءا من آلية تمويل واستراتيجية عمل «الصندوق الجزائري العُماني للاستثمار» الذي سيعمل على تعزيز المشاريع الاقتصادية الكبرى، إلى التوافق على مواقف إقليمية حساسة مثل القضية الفلسطينية والحرب الظالمة على قطاع غزة، وصولا إلى إشادة الجزائر بالدور الكبير الذي تقوم به سلطنة عمان في تهيئة حوار بناء بين واشنطن وطهران، وهو ما يعكس إدراكا مشتركا بأهمية الدبلوماسية الهادئة كوسيلة لصنع الاستقرار في منطقة تمور بالقلاقل.

بهذا المعنى يمكن قراءة الزيارة بأنها تتويج للمسار المتنامي في العلاقات بين عُمان والجزائر الذي بدأ مع زيارة الرئيس عبدالمجيد تبون لمسقط في أكتوبر 2024، ومرّ بانعقاد اللجنة المشتركة في يونيو من العام نفسه، ليصل اليوم إلى مرحلة «تكثيف الشراكة الاستراتيجية» في قطاعات حيوية تشمل الطاقة، وصناعة السيارات، والدواء، والأسمدة، وغيرها. وفي وقت تتقلص فيه آفاق التكامل الاقتصادي العربي، تشكّل هذه المشاريع نموذجا واقعيا لما يمكن أن تفعله الإرادة السياسية إذا ما توافرت الرؤية والاتساق.

لكن ثمة ما يتجاوز ما تقوله البيانات والتصريحات الرسمية: وهو الإصرار المشترك من البلدين على تحويل الإرث التاريخي من التقارب الثقافي والاجتماعي، بل والمعرفي، إلى رافعة سياسية واقتصادية تدعم مستقبل الشراكة. أما على الصعيد السياسي، فتتقارب مواقف البلدين في معظم الملفات العربية والدولية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. ويشددان معا على ضرورة أن يتحمل المجتمع الدولي، وفي مقدمته مجلس الأمن، مسؤولياته في حماية القانون الدولي ومنع انزلاق النظام العالمي نحو الفوضى، ويظهر ذلك جليا في البيان الذي لم يكتف بالتنديد، بل طالب صراحة بوقف فوري للعدوان، ودعم حل الدولتين، ودعوة مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته كاملة.

اقتصاديا، يعمل البلدان على تنويع مصادر الدخل والاستعداد لمرحلة ما بعد النفط، عبر التوجه إلى مشاريع الطاقة المتجددة والصناعات التحويلية، بما يعزز مناعتهما الاقتصادية ويؤسس لاقتصاد مستدام يتجاوز تقلبات السوق العالمية. ولم يغب عن البيان الإشادة المتبادلة بالدور الذي تلعبه كل من عُمان والجزائر في ملفات استراتيجية؛ فأشادت الجزائر بمساعي عُمان في التقريب بين واشنطن وطهران، وهو اعتراف صريح بثقل دبلوماسي ناعم باتت سلطنة عمان تحققه بعيدا عن الضجيج. في المقابل، ثمّنت سلطنة عمان الجهود الجزائرية في الدفاع عن فلسطين داخل مجلس الأمن.

هذه الزيارة، وإن بدت آنية في توقيتها، إلا أنها امتداد طبيعي لمسار طويل من الثقة السياسية والروابط التاريخية بين عُمان والجزائر. وتقدم الدولتان في هذا الوقت بالتحديد نموذجا مختلفا يتسم بالكثير من العقلانية وبالشراكات البناءة، ولعل الرسالة الأعمق التي تنبع من هذه الزيارة أن العمل العربي المشترك لم يمت ولكنه ينتظر فقط إرادة صادقة ورؤية رشيدة تعيد إليه نبضه المفقود.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق