في إحدى الجلسات النقاشية، سألني أحد المتابعين للشأن الاقتصادي عن الأسباب التي تدفع بغالبية الدول لإنشاء "الصناديق السيادية"، خاصة وأننا في مملكة البحرين أنشأنا صندوقنا السيادي تحت مسمى شركة "ممتلكات البحرين القابضة" في عام 2006.
هناك عدة أسباب لإنشاء مثل هذه الصناديق، أهمها "توحيد إدارة الأصول"، باعتبار أن الأصول موزعة على عدة جهات حكومية، ما يؤثر على عملية إدارتها بكفاءة وبنفس المستوى، وبالتالي أصبحت "ممتلكات" الجهة المركزية لإدارة الأصول وفق أسس استثمارية وتجارية، وبهدف تعزيز قيمتها وتحقيق عوائد طويلة الأجل. وهذه النقطة بحد ذاتها كان لها إسهام في تعزيز الحوكمة والشفافية، من خلال تطبيق معايير المحاسبة ومتابعة الأداء والتحسين المطّرد.
إضافة لذلك، وعلى اعتبار أننا دولة نفطية، فإن وجود صندوق سيادي يهدف إلى التركيز على عملية "تنويع مصادر الدخل" عبر خلق إيرادات مستقلة ومستدامة بعيداً عن إيرادات القطاع النفطي.
كذلك الحاجة إلى وجود جهة معنية بـ"الاستثمار الخارجي في الأسواق العالمية"، وتولت ممتلكات أيضاً عملية "الاستثمار في المشاريع الوطنية الداخلية"، وكان الهدف على دعم خطط التنمية وتعزيز الاقتصاد المحلي، وهذه الجزئية تحديداً ارتبطت بعملية دعم رؤية البحرين الاقتصادية 2030 من خلال دعم المشاريع الاستراتيجية والتركيز عليها إضافة لتنمية رأس المال البشري وخلق فرص العمل.
باختصار أُنشئت "ممتلكات" لتكون أداة سيادية لإدارة الثروة الوطنية بشكل استراتيجي، بما يتماشى مع تطلعات التنمية المستدامة وتعزيز الاستقرار الاقتصادي طويل الأجل.
مؤخراً أعلنت "ممتلكات" عن تسجيل صافي ربح موحد بلغ 363 مليون دينار بحريني للسنة المالية المنتهية في ديسمبر 2024، وهو الإيراد الصافي الأعلى منذ تأسيسها، وهذا الرقم تحديداً يحمل في طياته دلالات أعمق تتعلق بكيفية تطور دور الصناديق السيادية، وأهمية ربط النجاح المالي بالتنمية المستدامة.
لنتذكر بأن تأسيس صندوقنا السيادي جاء في وقت يعاني فيه العالم من الأزمة الاقتصادية، بالتالي كانت البحرين أمام تحدٍّ صعب، وكان العمل حينها ومازال يرتكز على ضمان الديمومة الاقتصادية والاستدامة لسوق العمل، بما يخلق استقراراً لبلادنا، في فترة حرجة عانى منها العالم من عدم الاستقرار.
هذا الرقم الذي أعلنته ممتلكات يستدعي التوقف عنده، إذ علينا استيعاب المعادلة التي تقول بأن تحقيق النتائج الإيجابية ما هي إلا مؤشرات على إمكانية تحقيق مستقبل أفضل، وهنا نجد بأن الشركة تحولت من موقع "مدير للأصول الحكومية" إلى "مؤثر اقتصادي" لديه رؤية طويلة الأجل، وهذه حقيقة بالنسبة للصناديق السيادية، إذ هي تحتاج لفترة نضوج وتكيف مع المتغيرات العالمية وتقلبات الأسواق، تعقبها فترة نضوج وتنامٍ للخبرة، وصولاً إلى الأداء الكفوء الذي يحقق الأهداف المرجوة. واليوم نجد أن شركة "ممتلكات" عبر إعادة هندسة العمليات، وتطوير الاستراتيجيات، ومن خلال الإدارة الشابة الطموحة، والمدعومة من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، تمضي بنجاح في أداء دورها.
معالي الشيخ سلمان بن خليفة وزير المالية والاقتصاد الوطني ورئيس مجلس إدارة ممتلكات أكد أن هذه النتائج تمثل بناءً لأساس قوي لمواصلة العمل نحو تحقيق عوائد مالية مستدامة طويلة الأجل، إلى جانب المساهمة الفعلية في التنمية الاقتصادية. ما يعني أن هناك وعياً بأهمية الدور الاستراتيجي لصناديق الثروة السيادية، ليس فقط كأدوات مالية، بل كرافعات تنموية.
الرقم المتحقق يمثل إنجازاً في فترة صعبة، ودلالة على أن لدينا كفاءات وطنية متقدمة المستوى في مواجهة التحديات وصناعة القرارات العائدة بالفائدة على الاستثمار. والتوسم اليوم بالبناء على هذا النجاح وزيادته، بما يحقق انعكاسات إيجابية على عجلة الاقتصاد الوطني وبما يعود بالفائدة على حياة المواطن البحريني وتحسين معيشته.
حينما يتحقق لدينا مردود إيجابي جراء عمليات العمل والاجتهاد والمتابعة، لابد وأن نشيد بالجهود المبذولة، ولابد وأن نستبشر، لأن الزمن الحالي صعب جداً من خلال تحدياته العديدة، وتقلباته غير المتوقعة، بالتالي أن تنجح رغم المعيقات، فأنت تستحق الإشادة والتحية.
ولا ننسى بأن القدرة على تحويل هذه النجاحات المالية إلى أثر ملموس في واقع التنمية وجودة الحياة، هو الهدف الذي يضعه الجميع نصب أعينهم.
0 تعليق