شلونك يا فلان.. ما لونك يا فلان!

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عثمان عادل العباسي

في الأيام الأولى لاندلاع الحرب في أوكرانيا، وجدت نفسي فجأة وسط كييف. كل ما أردته هو الوصول بسرعة لمحطة القطار لأغادر المدينة. كنت وقتها أعتمد كلياً على تطبيق ترجمة تقليدي اعتدتُ عليه ووثقت به. لكن هذه الثقة تبددت سريعاً عندما وجدت نفسي أقف بحرج أمام رجل أوكراني عجوز، أحاول أن أسأله عن محطة القطار بكلمات ترجمها التطبيق بثقة عجيبة إلى معنى مختلف تماماً. لن أنسى نظرات الرجل التي بدت وكأنني طلبت منه سراً نووياً لا طريقاً نحو المحطة!

هذا الموقف – رغم أنه يبدو كوميدياً الآن – جعلني أفكّر كثيراً في طبيعة تطبيقات الترجمة التي نستخدمها يومياً. هي تطبيقات مفيدة بالطبع، لكنها لا تزال تتعامل مع النصوص بنفس أسلوب مدارس البحرين القديمة حين كان «المطوع» يردد الجمل والكلمات. ورغم القيمة الكبيرة لهذا الأسلوب التقليدي في حفظ اللغة وضبطها وإنتاج أجيال نفتخر بها، إلا أنه كان يركز على دقة النص أكثر من إدراك المعنى الحقيقي.

لكن الدنيا تغيرت، والزمن يتطور بسرعة مذهلة. فمن لوح أسود وطباشير في «الكتاتيب» إلى سبورة إلكترونية ذكية في مدارس البحرين الحديثة، انتقلنا من مرحلة حفظ النصوص إلى فهمها والتفاعل معها بعمق. والتكنولوجيا لحقت هي الأخرى بهذا الركب، وأصبح لدينا اليوم مترجم ذكي جداً مبني على تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل GPT، لا يترجم الكلمات فقط، بل يستوعب السياق، ويقرأ بين السطور.

هذا النوع من الترجمة أقرب إلى صديق بحريني يجلس بجانبك، ويترجم لك ما يدور حولك بأسلوبه الممتع. فلا يترجم جملة «شلونك يا فلان؟» إلى «ما لونك يا فلان؟» بل يفهم مباشرة أنك تسأل عن الحال لا اللون، وينقل حديثك إلى الطرف الآخر بكل وضوح وبروح خفيفة، بعيداً عن أي سوء فهم أو حرج.

نعم، هنا يكمن الفرق الواضح. هذا الذكاء الاصطناعي يقدّم لنا ترجمة نابضة بالحياة، تلامس الواقع الاجتماعي والثقافي، وتنقل أفكارنا ومشاعرنا بكل وضوح دون التسبب بحروب صغيرة أو مواقف محرجة بيننا وبين الآخرين.

ونحن اليوم في البحرين أمام فرصة ذهبية للاستفادة من هذه التقنية بشكل أكبر من مجرد تطبيق شخصي نستخدمه أثناء السفر أو الدردشة. البحرين مركز ثقافي وسياحي عالمي يستقطب زوارًا من شتى بقاع الأرض. ماذا لو استخدمنا الترجمة الذكية لتقديم تجارب سياحية متكاملة بلغات الزوار الأصلية؟ تخيّل زائرًا يدخل متحف البحرين الوطني، أو يتجول في سوق باب البحرين، أو يستمتع بأطباق بحرينية أصيلة في مطعم تقليدي، فيعيش التجربة بكل تفاصيلها، دون أن يشعر بالغربة ولو للحظة واحدة!

بل يمكننا أن نذهب أبعد من ذلك، ونستخدم هذه التقنية لتحسين التواصل مع فئات من المجتمع يصعب علينا التفاهم معها في بعض الأحيان، كالعامل الأجنبي البسيط أو الشخص غير المتعلم، فيحصل الجميع على حقوقهم، وتصل الرسائل بشكل أوضح، ويشعرون بأنهم جزء فعّال من نسيج المجتمع.

وكما انتقلنا من زمن الألواح الخشبية إلى عصر التعليم الإلكتروني الذكي، أعتقد جازماً أن المستقبل سيحمل لنا تطورات أكبر في عالم الترجمة، تجعل تواصلنا مع الآخرين أكثر إنسانية وسلاسة ووضوحاً. وحتى يأتي ذلك اليوم، دعونا نستمتع بالمترجم الذكي الذي بين أيدينا الآن، فهو بحق يستحق كل الامتنان.

* خبير تقني

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق