loading ad...
جون فيفر – (فورين بوليسي إن فوكَس) 7/5/2025
نتنياهو على وشك تصعيد جرائمه الحربية في غزة، مرة أخرى.
* * *اضافة اعلان
ربما تتذكر حادثة مشابهة من أيام دراستك. أحد زملائك في الصف يرتكب خطأ، مثل توزيع رسم كاريكاتوري لمدير المدرسة، فتقرر المعلمة معاقبة الصف بأكمله عن طريق حرمانكم من الاستراحة. ربما كانت تفعل ذلك لإجبار الجاني على الاعتراف، أو للضغط عليكم أنتم وزملائكم كي تشيروا إليه وتبلغوا عنه؛ وهي وسيلة ذكية لتجنيد الطلاب للمساعدة في فرض الانضباط داخل الصف.
لكن مثل هذه الأساليب من العقاب الجماعي لم تعد مقبولة، ولأسباب واضحة. إنها غير عادلة. ولا تُغيّر السلوك. وتُعلّم دروسًا خاطئة، وتجعل الأطفال يكرهون المدرسة.
كما أن هذه الأساليب أيضًا مخالفة لاتفاقيات جنيف. وفقًا لإحدى مواد الاتفاقيات المتعلقة بوضع الأشخاص المحميين ومعاملتهم، "لا يجوز معاقبة أي شخص محمي عن مخالفة لم يقترفها هو شخصيا. العقوبات الجماعية، وكذلك جميع تدابير التهديد أو الإرهاب، محظورة. التدابير الانتقامية ضد الأشخاص المحميين وممتلكاتهم محظورة".
قد يبدو من السخيف تطبيق اتفاقيات جنيف على الصفوف الدراسية، حتى لو كانت بعض المدارس تشبه مناطق الحروب. لكن في الآونة الأخيرة، ظهر توجه لإدانة أساليب العقاب الجماعي في المدارس، والرجوع إلى المبادئ المصممة لحماية المدنيين.
وبينما أصبحت الفصول الدراسية أكثر احتراما لحقوق الأطفال، ما تزال الساحة الجيوسياسية تتمسك بمبادئ العقاب الجماعي. فما الحرب، في نهاية المطاف، سوى معاقبة السكان بأكملهم على أفعال قلة منهم؟ والعقوبات الاقتصادية، حتى تلك التي يُقال عنها "ذكية"، تضر في النهاية بأناس لا علاقة لهم بسياسات قادتهم. أما تلك "الرسوم الجمركية الجميلة"، فترفع الأسعار على ملايين المستهلكين الذين لا صلة لهم لا بالحكومات ولا بالشركات.
لكن لا يوجد اليوم مثال أكثر فظاعة على العقاب الجماعي في العالم من المأساة الجارية حاليا في غزة.
انتهاكات مستمرة
في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، نفذت حركة حماس هجوما مروعا على إسرائيل أسفر عن مقتل أكثر من ألف شخص وأسر أكثر من 200. وأعلنت إسرائيل، على الفور تقريبا، الحرب على "حماس". ثم شرعت في معاقبة جميع سكان غزة على أعمال ارتكبتها قلة قليلة.
وكان العقاب فظيعًا. فقد قُتل أكثر من 52000 شخص على يد القوات الإسرائيلية، وفقا لوزارة الصحة في غزة. لكن هذا الرقم ربما يقلّ بنسبة 40 في المائة عن العدد الحقيقي، بحسب مقال نُشر في مجلة "ذا لانست"، إذا ما شملنا جميع الوفيات المرتبطة بالحرب، مثل تلك الناتجة عن تدمير النظام الصحي، على سبيل المثال. وكانت الغالبية العظمى من هؤلاء القتلى –حوالي 70 في المائة– من النساء والأطفال.
والآن، يجب أن تشمل أرقام الضحايا الوفيات الناتجة عن الجوع، حيث منعت إسرائيلدخول أي مساعدات إنسانية إلى غزة خلال الشهرين الماضيين. وقد استخدمت إسرائيل هذا التكتيك للضغط على السكان الفلسطينيين من أجل إجبار حماس على الاستسلام وإطلاق سراح العشرات من الرهائن الإسرائيليين الذين ما تزال تحتجزهم. لم يدخل إلى القطاع طعام، ولا دواء، ولا وقود. وبالإضافة إلى الجوع، يموت الناس بسبب عدم توفر الأدوية الأساسية المنقذة للحياة.
تقول صحيفة "نيويورك تايمز" أن "الطعام الوحيد المتاح للعديد من سكان غزة –بشكل خاص أولئك الذين يشكلون 90 في المائة من السكان المهجَّرين والذين يعيش معظمهم في الخيام– يأتي من مطابخ خيرية محلية، بعضها تعرض للنهب مع تفاقم أزمة الجوع". وتزداد المأساة كثافة حين نعرف أن الطعام والدواء متوفران على مقربة، لكن إسرائيل تمنع إدخالهما.
تزعم الحكومة الإسرائيلية أنها تستهدف حماس فحسب. لكنها تواصل قتل المدنيين بلا تمييز في غاراتها الجوية، بما في ذلك ما حدث الأسبوع الماضي في مطعم مزدحم ومدرسة. وتدّعي أن مقاتلي حماس يختبئون في المستشفيات، وهو ما يبرر، حسب زعمها، تدمير البنية التحتية الطبية بالكامل في المنطقة. حتى لو كان هذا الادعاء صحيحًا –ولم تقدم إسرائيل أدلة يُعتد بها على ذلك– فإن جميع هذه الوفيات بين المدنيين تعتبر عقابًا جماعيًا؛ وبذلك جريمة حرب.
كان كليتون دالتون ضمن بعثة طبية زارت غزة خلال الهدنة التي استمرت شهرين وبدأت في يناير. وفي مجلة "ذا نيويوركر"، وصف مشهدًا في مستشفى مدمر في شمال غزة:
"دخلنا غرفة تخزين كبيرة في زاوية قسم العناية المركزة، وكانت مليئة بالأجهزة الطبية: أجهزة الأشعة فوق الصوتية، مضخات الحقن الوريدي، أجهزة غسيل الكلى، أجهزة قياس ضغط الدم. يبدو أن كل واحد منها قد دُمر برصاصة – ليس بطريقة عشوائية، بل بطريقة منهجية. أصبت بالذهول. لم أستطع التفكير بأي مبرر عسكري لتدمير أجهزة تنقذ الأرواح."
كما بدأ الأطباء الزائرون في توثيق إحصائية مرعبة أخرى: ضخامة عدد الأطفال الذين أُطلق عليهم الرصاص في الرأس، وكأنهم أُعدموا عمدًا. وهناك عشرات الضحايا من هذا النوع، بعضهم لا يتجاوز عمره بضع سنوات. وقال آدم حموي، جرّاح التجميل من نيوجيرسي، في برنامج "ذيس أميريكان لايف":
"هؤلاء أطفال صغار يتم إطلاق الرصاص عليهم، وليست هذه طلقات طائشة. إنها موجهة. دقيقة. قد تفسر الطلقة الطائشة حالة واحدة أو اثنتين، لكنها لا تفسر سلسلة من الطلقات الدقيقة المستهدفة التي تُطلق على الأطفال منذ تشرين الأول (أكتوبر)".
يبدو أن اتفاقيات جنيف لا تنطبق على أطفال غزة في سن المدرسة. إنهم، مثل غيرهم من الفلسطينيين، ضحايا للعقاب الجماعي.
تسمية ليس تشهيرا
تم توجيه اتهامات عديدة لإسرائيل بارتكاب جرائم حرب في غزة. ونشرت منظمات حقوق الإنسان –مثل "هيومن رايتس ووتش" و"منظمة العفو الدولية"– تقارير دورية عن الانتهاكات الإسرائيلية. وأدانت الأمم المتحدة إسرائيل على ارتكابها جرائم ضد الإنسانية. كما أصدرت "المحكمة الجنائية الدولية" مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت.
ومع ذلك، لم تُؤدِّ هذه الإدانات سوى إلى زيادة الانتهاكات التي ترتكبها حكومة نتنياهو. وقد أعلنت مؤخرا عن تصعيد جديد في حملتها التي بدأتها بعد الهدنة لهزيمة حماس. واستدعت إسرائيل مزيدًا من الجنود لغزو غزة، ودفع السكان إلى بقعة صغيرة في الجنوب، واحتلال معظم القطاع. ويدعو الأعضاء الأكثر تطرفًا في حكومة نتنياهو إلى طرد جميع الفلسطينيين من غزة، ويبدو أن هذا هو الهدف غير المعلن للحكومة الإسرائيلية.
على الرغم من أن نتنياهو يواجه احتجاجات متزايدة من داخل إسرائيل –بما في ذلك من آلاف جنود الاحتياط ورئيس جهاز الموساد السابق– فإن عدة دول قوية ما تزال تدعمه. وبينما خفّضت إدارة ترامب بشكل كبير المساعدات الخارجية الأميركية، استخدمت سلطاتها التنفيذية لتجاوز الكونغرس وتحويل مليارات الدولارات كمساعدات عسكرية إلى إسرائيل. كما تجاهلت الهند الرأي العام العالمي وواصلت إرسال الأسلحة والتكنولوجيا إلى إسرائيل. وحافظ قادة اليمين المتطرف الآخرون –مثل خافيير ميلي في الأرجنتين، وفيكتور أوربان في المجر– أيضًا على علاقات جيدة مع نتنياهو.
وهذا يعني أن تستمر إسرائيل في التصرف من دون محاسبة في عقابها للفلسطينيين.
كُتب الكثير عن المصطلحات المناسبة لوصف ما تفعله إسرائيل في غزة. وفي حين تدافع الحكومة الإسرائيلية عن حملتها ضد حماس باعتبارها "حربًا عادلة"، يتهمها المنتقدون بارتكاب إبادة جماعية.
لكن الظروف الفعلية على الأرض –الجوع، والأطفال الصغار الذين يُطلق عليهم الرصاص في الرأس، والتهجير واسع النطاق، وتدمير المجتمعات– تتحدث عن نفسها. يمكن للمحامين والسياسيين تبادل المصطلحات: "حرب عادلة" مقابل "إبادة جماعية"، لكنّ ما لا يمكن تجاوزه هو الحقائق الوحشية الصريحة. حتى مصطلح "العقاب الجماعي"، على الرغم من تجريديته، يفشل في نقل هذا الرعب.
في رواية "إليزابيث كوستيلو" للكاتب ج. م. كويتزي، يتم تكليف البطلة بإلقاء ورقة في مؤتمر عن الشر. وكانت تقرأ عملاً أدبيًا حول محاولة فاشلة لاغتيال هتلر، وما أعقبها من إعدام بارد للمتآمرين. وقد صدمتها التفاصيل الدقيقة في الرواية عن كيفية تنفيذ الإعدامات. وتتساءل: لماذا كان من الضروري قراءة هذه التفاصيل الرهيبة؟ لا يوجد سبب وجيه يدفع الروائي إلى تخيل كل هذا الشرّ المتجسد، إنه –بكلمة واحدة– "فاحش".
"فاحش، لأن مثل هذه الأمور لا ينبغي أن تحدث. ثم فاحش مرة أخرى، لأنه إذا حدثت، فلا ينبغي أن تُكشف وتوضع تحت الضوء، بل أن تُغطى وتُخفى إلى الأبد في أعماق الأرض، كما هو الحال في المسالخ حول العالم، إذا ما أراد الإنسان أن يحافظ على قواه العقلية".
والتفاصيل عما يحدث في غزة لا تقل فُحشًا. ولكن، مثل وقائع الفظائع النازية، لا يجب تجاهلها. لقد حظرت الحكومة الإسرائيلية دخول الصحفيين إلى غزة. وتساعد إدارة ترامب في ذلك من خلال معاقبة كل من يُظهر هذه التفاصيل أو يحتج في الجامعات على دعم الولايات المتحدة لهذه الجرائم، تحت ذريعة منع "معاداة السامية". هذه فضائح.
في هذا العصر الذي تهيمن عليه "الأخبار البديلة" والمعلومات المضللة، والأكاذيب الرئاسية، والتهديدات بقطع التمويل عن وسائل الإعلام العامة، تظل الحقيقة مهمة. يجب على العالم أن يواجه حقائق الفظائع الإسرائيلية في غزة، لا على الرغم من فُحشها، بل بسبب ذلك بالضبط.
*جون فيفر: مدير مركز "السياسة الخارجية في بؤرة التركيز" Foreign Policy In Focus. كتابه الأخير بعنوان: "اليمين عبر العالم: الشبكات العالمية لليمين المتطرف ورد فعل اليسار" Right Across the World: The Global Networking of the Far-Right and the Left Response.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Obscenity of Collective Punishment in Gaza
نتنياهو على وشك تصعيد جرائمه الحربية في غزة، مرة أخرى.
* * *اضافة اعلان
ربما تتذكر حادثة مشابهة من أيام دراستك. أحد زملائك في الصف يرتكب خطأ، مثل توزيع رسم كاريكاتوري لمدير المدرسة، فتقرر المعلمة معاقبة الصف بأكمله عن طريق حرمانكم من الاستراحة. ربما كانت تفعل ذلك لإجبار الجاني على الاعتراف، أو للضغط عليكم أنتم وزملائكم كي تشيروا إليه وتبلغوا عنه؛ وهي وسيلة ذكية لتجنيد الطلاب للمساعدة في فرض الانضباط داخل الصف.
لكن مثل هذه الأساليب من العقاب الجماعي لم تعد مقبولة، ولأسباب واضحة. إنها غير عادلة. ولا تُغيّر السلوك. وتُعلّم دروسًا خاطئة، وتجعل الأطفال يكرهون المدرسة.
كما أن هذه الأساليب أيضًا مخالفة لاتفاقيات جنيف. وفقًا لإحدى مواد الاتفاقيات المتعلقة بوضع الأشخاص المحميين ومعاملتهم، "لا يجوز معاقبة أي شخص محمي عن مخالفة لم يقترفها هو شخصيا. العقوبات الجماعية، وكذلك جميع تدابير التهديد أو الإرهاب، محظورة. التدابير الانتقامية ضد الأشخاص المحميين وممتلكاتهم محظورة".
قد يبدو من السخيف تطبيق اتفاقيات جنيف على الصفوف الدراسية، حتى لو كانت بعض المدارس تشبه مناطق الحروب. لكن في الآونة الأخيرة، ظهر توجه لإدانة أساليب العقاب الجماعي في المدارس، والرجوع إلى المبادئ المصممة لحماية المدنيين.
وبينما أصبحت الفصول الدراسية أكثر احتراما لحقوق الأطفال، ما تزال الساحة الجيوسياسية تتمسك بمبادئ العقاب الجماعي. فما الحرب، في نهاية المطاف، سوى معاقبة السكان بأكملهم على أفعال قلة منهم؟ والعقوبات الاقتصادية، حتى تلك التي يُقال عنها "ذكية"، تضر في النهاية بأناس لا علاقة لهم بسياسات قادتهم. أما تلك "الرسوم الجمركية الجميلة"، فترفع الأسعار على ملايين المستهلكين الذين لا صلة لهم لا بالحكومات ولا بالشركات.
لكن لا يوجد اليوم مثال أكثر فظاعة على العقاب الجماعي في العالم من المأساة الجارية حاليا في غزة.
انتهاكات مستمرة
في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، نفذت حركة حماس هجوما مروعا على إسرائيل أسفر عن مقتل أكثر من ألف شخص وأسر أكثر من 200. وأعلنت إسرائيل، على الفور تقريبا، الحرب على "حماس". ثم شرعت في معاقبة جميع سكان غزة على أعمال ارتكبتها قلة قليلة.
وكان العقاب فظيعًا. فقد قُتل أكثر من 52000 شخص على يد القوات الإسرائيلية، وفقا لوزارة الصحة في غزة. لكن هذا الرقم ربما يقلّ بنسبة 40 في المائة عن العدد الحقيقي، بحسب مقال نُشر في مجلة "ذا لانست"، إذا ما شملنا جميع الوفيات المرتبطة بالحرب، مثل تلك الناتجة عن تدمير النظام الصحي، على سبيل المثال. وكانت الغالبية العظمى من هؤلاء القتلى –حوالي 70 في المائة– من النساء والأطفال.
والآن، يجب أن تشمل أرقام الضحايا الوفيات الناتجة عن الجوع، حيث منعت إسرائيلدخول أي مساعدات إنسانية إلى غزة خلال الشهرين الماضيين. وقد استخدمت إسرائيل هذا التكتيك للضغط على السكان الفلسطينيين من أجل إجبار حماس على الاستسلام وإطلاق سراح العشرات من الرهائن الإسرائيليين الذين ما تزال تحتجزهم. لم يدخل إلى القطاع طعام، ولا دواء، ولا وقود. وبالإضافة إلى الجوع، يموت الناس بسبب عدم توفر الأدوية الأساسية المنقذة للحياة.
تقول صحيفة "نيويورك تايمز" أن "الطعام الوحيد المتاح للعديد من سكان غزة –بشكل خاص أولئك الذين يشكلون 90 في المائة من السكان المهجَّرين والذين يعيش معظمهم في الخيام– يأتي من مطابخ خيرية محلية، بعضها تعرض للنهب مع تفاقم أزمة الجوع". وتزداد المأساة كثافة حين نعرف أن الطعام والدواء متوفران على مقربة، لكن إسرائيل تمنع إدخالهما.
تزعم الحكومة الإسرائيلية أنها تستهدف حماس فحسب. لكنها تواصل قتل المدنيين بلا تمييز في غاراتها الجوية، بما في ذلك ما حدث الأسبوع الماضي في مطعم مزدحم ومدرسة. وتدّعي أن مقاتلي حماس يختبئون في المستشفيات، وهو ما يبرر، حسب زعمها، تدمير البنية التحتية الطبية بالكامل في المنطقة. حتى لو كان هذا الادعاء صحيحًا –ولم تقدم إسرائيل أدلة يُعتد بها على ذلك– فإن جميع هذه الوفيات بين المدنيين تعتبر عقابًا جماعيًا؛ وبذلك جريمة حرب.
كان كليتون دالتون ضمن بعثة طبية زارت غزة خلال الهدنة التي استمرت شهرين وبدأت في يناير. وفي مجلة "ذا نيويوركر"، وصف مشهدًا في مستشفى مدمر في شمال غزة:
"دخلنا غرفة تخزين كبيرة في زاوية قسم العناية المركزة، وكانت مليئة بالأجهزة الطبية: أجهزة الأشعة فوق الصوتية، مضخات الحقن الوريدي، أجهزة غسيل الكلى، أجهزة قياس ضغط الدم. يبدو أن كل واحد منها قد دُمر برصاصة – ليس بطريقة عشوائية، بل بطريقة منهجية. أصبت بالذهول. لم أستطع التفكير بأي مبرر عسكري لتدمير أجهزة تنقذ الأرواح."
كما بدأ الأطباء الزائرون في توثيق إحصائية مرعبة أخرى: ضخامة عدد الأطفال الذين أُطلق عليهم الرصاص في الرأس، وكأنهم أُعدموا عمدًا. وهناك عشرات الضحايا من هذا النوع، بعضهم لا يتجاوز عمره بضع سنوات. وقال آدم حموي، جرّاح التجميل من نيوجيرسي، في برنامج "ذيس أميريكان لايف":
"هؤلاء أطفال صغار يتم إطلاق الرصاص عليهم، وليست هذه طلقات طائشة. إنها موجهة. دقيقة. قد تفسر الطلقة الطائشة حالة واحدة أو اثنتين، لكنها لا تفسر سلسلة من الطلقات الدقيقة المستهدفة التي تُطلق على الأطفال منذ تشرين الأول (أكتوبر)".
يبدو أن اتفاقيات جنيف لا تنطبق على أطفال غزة في سن المدرسة. إنهم، مثل غيرهم من الفلسطينيين، ضحايا للعقاب الجماعي.
تسمية ليس تشهيرا
تم توجيه اتهامات عديدة لإسرائيل بارتكاب جرائم حرب في غزة. ونشرت منظمات حقوق الإنسان –مثل "هيومن رايتس ووتش" و"منظمة العفو الدولية"– تقارير دورية عن الانتهاكات الإسرائيلية. وأدانت الأمم المتحدة إسرائيل على ارتكابها جرائم ضد الإنسانية. كما أصدرت "المحكمة الجنائية الدولية" مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت.
ومع ذلك، لم تُؤدِّ هذه الإدانات سوى إلى زيادة الانتهاكات التي ترتكبها حكومة نتنياهو. وقد أعلنت مؤخرا عن تصعيد جديد في حملتها التي بدأتها بعد الهدنة لهزيمة حماس. واستدعت إسرائيل مزيدًا من الجنود لغزو غزة، ودفع السكان إلى بقعة صغيرة في الجنوب، واحتلال معظم القطاع. ويدعو الأعضاء الأكثر تطرفًا في حكومة نتنياهو إلى طرد جميع الفلسطينيين من غزة، ويبدو أن هذا هو الهدف غير المعلن للحكومة الإسرائيلية.
على الرغم من أن نتنياهو يواجه احتجاجات متزايدة من داخل إسرائيل –بما في ذلك من آلاف جنود الاحتياط ورئيس جهاز الموساد السابق– فإن عدة دول قوية ما تزال تدعمه. وبينما خفّضت إدارة ترامب بشكل كبير المساعدات الخارجية الأميركية، استخدمت سلطاتها التنفيذية لتجاوز الكونغرس وتحويل مليارات الدولارات كمساعدات عسكرية إلى إسرائيل. كما تجاهلت الهند الرأي العام العالمي وواصلت إرسال الأسلحة والتكنولوجيا إلى إسرائيل. وحافظ قادة اليمين المتطرف الآخرون –مثل خافيير ميلي في الأرجنتين، وفيكتور أوربان في المجر– أيضًا على علاقات جيدة مع نتنياهو.
وهذا يعني أن تستمر إسرائيل في التصرف من دون محاسبة في عقابها للفلسطينيين.
كُتب الكثير عن المصطلحات المناسبة لوصف ما تفعله إسرائيل في غزة. وفي حين تدافع الحكومة الإسرائيلية عن حملتها ضد حماس باعتبارها "حربًا عادلة"، يتهمها المنتقدون بارتكاب إبادة جماعية.
لكن الظروف الفعلية على الأرض –الجوع، والأطفال الصغار الذين يُطلق عليهم الرصاص في الرأس، والتهجير واسع النطاق، وتدمير المجتمعات– تتحدث عن نفسها. يمكن للمحامين والسياسيين تبادل المصطلحات: "حرب عادلة" مقابل "إبادة جماعية"، لكنّ ما لا يمكن تجاوزه هو الحقائق الوحشية الصريحة. حتى مصطلح "العقاب الجماعي"، على الرغم من تجريديته، يفشل في نقل هذا الرعب.
في رواية "إليزابيث كوستيلو" للكاتب ج. م. كويتزي، يتم تكليف البطلة بإلقاء ورقة في مؤتمر عن الشر. وكانت تقرأ عملاً أدبيًا حول محاولة فاشلة لاغتيال هتلر، وما أعقبها من إعدام بارد للمتآمرين. وقد صدمتها التفاصيل الدقيقة في الرواية عن كيفية تنفيذ الإعدامات. وتتساءل: لماذا كان من الضروري قراءة هذه التفاصيل الرهيبة؟ لا يوجد سبب وجيه يدفع الروائي إلى تخيل كل هذا الشرّ المتجسد، إنه –بكلمة واحدة– "فاحش".
"فاحش، لأن مثل هذه الأمور لا ينبغي أن تحدث. ثم فاحش مرة أخرى، لأنه إذا حدثت، فلا ينبغي أن تُكشف وتوضع تحت الضوء، بل أن تُغطى وتُخفى إلى الأبد في أعماق الأرض، كما هو الحال في المسالخ حول العالم، إذا ما أراد الإنسان أن يحافظ على قواه العقلية".
والتفاصيل عما يحدث في غزة لا تقل فُحشًا. ولكن، مثل وقائع الفظائع النازية، لا يجب تجاهلها. لقد حظرت الحكومة الإسرائيلية دخول الصحفيين إلى غزة. وتساعد إدارة ترامب في ذلك من خلال معاقبة كل من يُظهر هذه التفاصيل أو يحتج في الجامعات على دعم الولايات المتحدة لهذه الجرائم، تحت ذريعة منع "معاداة السامية". هذه فضائح.
في هذا العصر الذي تهيمن عليه "الأخبار البديلة" والمعلومات المضللة، والأكاذيب الرئاسية، والتهديدات بقطع التمويل عن وسائل الإعلام العامة، تظل الحقيقة مهمة. يجب على العالم أن يواجه حقائق الفظائع الإسرائيلية في غزة، لا على الرغم من فُحشها، بل بسبب ذلك بالضبط.
*جون فيفر: مدير مركز "السياسة الخارجية في بؤرة التركيز" Foreign Policy In Focus. كتابه الأخير بعنوان: "اليمين عبر العالم: الشبكات العالمية لليمين المتطرف ورد فعل اليسار" Right Across the World: The Global Networking of the Far-Right and the Left Response.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Obscenity of Collective Punishment in Gaza
0 تعليق