"لون من الروح ووجع جميل".. احتفاء بتجربة حدادين الفنية

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

loading ad...

عمان- في أمسية تفيض بالألوان والذاكرة والحنين، اجتمع محبو الفن وأصدقاء الجمال في دائرة المكتبة الوطنية للاحتفال بمسيرة فنية وإنسانية حافلة، للفنان التشكيلي الأردني سعيد حدادين. ليس مجرد فنان يمسك بالريشة، بل صاحب رؤية تشكلت عبر عقود من التأمل، العمل، والانتماء العميق للطبيعة والإنسان، وجعل لوحته مرآة للروح، واللون طريقا لفهم العالم.اضافة اعلان
هذا الاحتفال، الذي أقيم برعاية الدوق ممدوح بشارات، وأدارته الفنانة والشاعرة غدير حدادين، لم يكن فقط تكريما لمسيرة فنية طويلة، بل أيضا لحظة اعتراف بجماليات متراكمة رسمت ملامح ذاكرة بصرية أردنية أصيلة. فقد استطاع حدادين، بريشته، أن يلتقط نبض المكان، ووجدان الإنسان، وأن يمنح التفاصيل اليومية بعدا شعريا بصريا مدهشا.
شارك في الحفل الذي أقيم أول من أمس في دائرة المكتبة الوطنية، كل من الدكتور جورج الفار، والصحفي إبراهيم السواعير، إضافة إلى الفنان سعيد حدادين. وتخلل الحفل افتتاح معرض للوحات الفنان.
الحفل جاء في أجواء فنية وإنسانية عميقة، جمع نخبة من المثقفين والفنانين، وتخلله افتتاح معرض للوحات الفنان، إلى جانب كلمات وشهادات أضاءت مسيرته الفنية وأثره الإبداعي.
قال الدوق ممدوح بشارات إن الفنان التشكيلي سعيد حدادين "ليس مجرد فنان، بل فيلسوف يخط أفكاره باللون والخط، ويحول القماشة البيضاء إلى مرآة للروح وامتدادا للزمن. تجمعني به صداقة سنوات، شهدت خلالها كيف يخلق الجمال من التأمل، ويحول الفن إلى حوار صامت مع الوجود. سعيد لا يرسم الواقع، بل يفسره، ويعيد صياغته بلغة القلب والعقل معا".
من جهته، قال أستاذ الفلسفة الدكتور جورج الفار، إنه تعرف إلى الفنان سعيد حدادين إنسانيا قبل أن يتعرف إليه فنيا، مشيرًا إلى أن ملامحه الإنسانية تشي بروحه الفنية، فـ"الفنان إنسان قبل أن يكون فنانا"، كما قال، مستشهدا بمقولة سارتر: "الوجود يسبق الماهية".
ووصف الفار حدادين بأنه دمث الطباع، متمرس في فنه، ومنفتح على التجارب الإنسانية كافة، وأن الفن أعاد تشكيله منذ طفولته، فجعله إنسانا جديدا لا يشبه الآخرين، بل رقيقا عاشقا للجمال والألوان، قادرا على أن يضيف بفنه شيئا من الجمال المبدع إلى هذا العالم المتجهم.
وأضاف الفار: "من أجمل الأوقات التي أقضيها هي تلك التي أزور فيها الفنان حدادين في بيته، فمن جدران ذلك المنزل، ومن اللوحات المعلقة، أتنفس فنا وجمالا، ويحلق خيالي في عالم آخر، عالم من الألوان والخيال والإبداع لا أراه في أي مكان آخر. أتخيله وهو يرسم، ملطخ الثياب بالألوان، شعره منفوش، وعيناه مركزتان على اللوحة، وبيده ريشة لا ترسم فقط، بل تعزف أجمل المقطوعات الموسيقية التي تطربني وتحلق بعقلي إلى سماء الفن والإبداع". وتابع: "ما عدت يوما من زيارة لبيته إلا وقد غمرتني سعادة كبيرة، وقلت في نفسي: ما الذي ساقني إلى صداقة هذا الرجل النبيل، الذي دون أن يدري، غذى خيالي، ووسع مداركي، وثقف حواسي، وملأ بصري بروائع كلفته حياته ليبدعها؟".
وختم الفار كلمته بقوله: "شكرا لك يا سعيد لأنك وجدت في هذا العالم لتخفف قسوته بفنك، ولتضفي عليه جمالا وروعة. شكرا باسم الأردن كله، وباسم الإنسانية جمعاء، على فنك الراقي، الذي احتوى على عمق تجربتك الإنسانية وغناها. شكرا لأنك كرست وقتك وجهدك للفن والجمال، وطبعت بصمتك الجميلة في قلوب كل من عرف فنك وأحب إبداعك". "شكرا لأنك تمردت على الرتابة ورفضت الوظيفة، مفضلا الفن، فأصبحت فنانا بحق. قال نيتشه ذات يوم: (لولا الموسيقا لكانت الحياة غلطة)، وأقول: لولا الفن والموسيقا والجمال، لكانت حياتنا جحيما".
من جهته، قدم الزميل الصحفي إبراهيم السواعير شهادة إبداعية بحق الفنان والصديق سعيد حدادين، تطرق فيها إلى جانبه الإنساني، والمواقف المشتركة خلال زيارات ميدانية مع وزارة الثقافة إلى المخيمات الإبداعية، إلى جانب المعرفة والفني لديه، واهتمامه بالوجوه الشعبية التي يرسمها، معبرا من خلالها عن إنسانيتها، وفي كثير من الأحيان عن بؤسها.
وأشار السواعير إلى أن حدادين لم يكن يوما متعاليا على أصدقائه من الإعلاميين والصحفيين، بل كان يسعى دوما إلى إفادتهم بالمصطلحات والمعلومات الفنية والفكرية، ما جعل له مكانة واحتراما كبيرين في الأوساط الصحفية والثقافية، سواء في وزارة الثقافة أو أمانة عمان أو غيرهما، من الهيئات الثقافية.
وقال: "في دقيقة أو ساعتين أو حتى في يوم كامل، كان سعيد يمنح وقته بسخاء، شارحا جماليات اللوحة التشكيلية والوجوه التي يرسمها. فهو لا يرسم من فراغ، بل من منطلقات إنسانية آمن بها وما يزال".
وأضاف السواعير أن سعيد حدادين من أولئك الأصدقاء الذين يسكنون القلب طويلا، فهو من أفراد "العائلة الثقافية"، مشيرا إلى حضور حدادين في المنابر الثقافية، ومواقفه الجريئة في الدفاع عن حقوق الفنانين، وتقديم مقترحات بناءة. كما تحدث عن رؤيته الخاصة تجاه رابطة الفنانين التشكيليين ورابطة الكتاب ووزارة الثقافة، إذ كان يؤمن بأن الفنان يقاس بإبداعه لا بشهرته، ولهذا كانت له مواقفه من مفهوم الريادة الزمنية مقابل الريادة الإبداعية، فالأولى لا تصنع بالضرورة مبدعا.
وأشار أيضا إلى محاولاته السردية، حيث كان يرسم رسومات تحاكي قصصا وحكايات، مؤكدا أن "الفن هو لغة إنسانية عالمية ومهمة.
من جانبه، أكد الفنان سعيد حدادين أهمية الفن بوصفه رسالة سامية تتجاوز حدود الجمال، قائلا إن الفن هو نبض الشعوب وذاكرتها البصرية، وهو الوسيلة الأرقى للتعبير عن القضايا الإنسانية والوجودية.
يرى حدادين أن الفن الحقيقي لا يقتصر على تزيين الجدران، بل يوقظ الوعي، ويحرض الفكر، ويزرع الأمل. إنه لغة تخاطب الأرواح، وتبقي الإنسان في تماس دائم مع جوهره العميق.
استهلت الفنانة والشاعرة غدير حدادين الحفل بكلمات مؤثرة قالت فيها: "الآن، أقدم ليس مجرد فنان، بل أبي... أقدم الرجل الذي علمني أن الفن ليس مهنة، بل هو حياة، ووجع، ورؤية، وصلاة صامتة.
إنه الفنان التشكيلي سعيد حدادين، الذي علمني أن اللون لا يلقى على القماش عبثا، بل يستخرج من الروح. هو من جعل من كل لوحة بوصلة، ومن كل تفصيلة محاولة لفهم العالم وتجميله. هو الفنان الذي يرسم ذاته قبل أن يرسم العالم". وأضافت حدادين: "هو الفنان الذي نقل الطبيعة، والوجوه، والحنين، إلى سطح اللوحة،  من دون أن يفقد دهشة الطفل في عينيه.
هو من أورثني قلق الفن، وعشق الشعر، ومرارة البحث عن المعنى".
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق