غزة.. حرب تجويع من الدرجة الخامسة على مؤشر IPC

السبيل 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

مايو 13, 2025 12:52 م

د. عمر الجيوسي

التجويع سلاح يفتك بالجميع

وكأنه فيلم بالأسود والأبيض يلخص كل مآسي الحروب السابقة في بقعة تلخّص كبائر القصف، وأكثر الأسلحة تحريما وتجريبا وفتكا، وأحقر خطط تهجير وتجويع الجميع يوزعون كل ذلك على أهل غزة بالتساوي!
في غزة من يسمع صوت الصاروخ يعرف أنه حيّ، ومن لم يسمعه فقد كُتبت له شهادة وفاة.
في غزة الآن لا تكاد ترى غزة!
بقايا بيوت مقصوفة و خيام محروقة، عائلات بلا مأوى ولا طعام ولا دواء ولا كهرباء ولا ماء نظيف، ولا ماء للتنظيف ولا استحمام،
أمراض توزعها روائح وقمامة، بعوض وذباب وزواحف، والنوم ممنوع مرضا وقصفا وحرقا وجوعا.
إذًا؛ هي حرب تجويع وحشية، المجاعة سلاح فتّاك تستهدف قصف شريين الحياة من آبار ومزروعات.
على الهواء مباشرة قصفت المخابز وتكايا الطعام؛ إذ كانت الملاذ الأخير لآلاف الأسر الجائعة، يُقصف المتطوعون، وتختلط صلصة الطماطم بدم العاملين عليها.

تجويع لأجل التهجير

في غزة العشرات يموتون جوعا رغم آلاف المنظمات العالمية وشاحنات وسفن المساعدات العاجزة عن المساعدة
في غزة، يبحثون طويلا وسط الدمار عن حطب، وأحيانا من تكسير أثاث بيوتهم أو من بقايا ملابسهم، ثم يبحثون عن وسيلة لإيقاد نار طبخ، وقد لا يجدونها إلا من بقايا شعلة تركها صاروخ القصف.

أوزان الناس تتدهور إلى النصف وأكثر، وانتظار خبر الوفاة من سوء التغذية مرجّح! طواقم طبية وإعلامية وإغاثية، منهكة شاحبة. مفقودون تحت الردم ماتوا جوعا ويأسا ولم يسمعهم قريب ولا أقارب، الأقارب يزيلون الردم بمشاعر مخدرة، عيون لا تجد ما تذرفه.
ممرضون يلجؤون لاختراع محلول ملحي بسحق البطاطس وصنع سائل مؤقت للتغذية الأنبوبية.
وعلى هامش الحياة أطفال رُضّع تناثروا وسط ركام القصف التصق نِثارُهم بالجدران، وأطفال صاروا لحم شواء يجذب سادية الجيش المسعور! جيشُ عدوٍ بربري يملك مِكبس تجويع مميت.

طوابير من الوجوه الشاحبة والهياكل العظمية تنظر في قدور فارغة، حرب وحشية مبرمجة لتهجير من بقي ومن يستطيع المشي باتجاه واحد، يحدّده اتجاه رصاص العدو.

مزيج من التصريحات ومزيد من التجويع
مع أن نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ينص على أن “تجويع المدنيين عمدا وعرقلة الإمدادات الغوثية يشكل جريمة حرب”، إلا أن وزيرا في حكومة العصابات الصهيونية وباحتقار للقوانين الدولية يقول: “تل أبيب لن تسمح بإدخال حبة قمح واحدة إلى قطاع غزة”.
ووزير دفاع الفاشية الصهيونية يقول: “فرضنا حصارًا شاملاً على قطاع غزة؛ لا كهرباء.. لا وقود.. لا ماء.. لا طعام.. كل شيء مغلق”. “نحن نقاتل حيوانات بشرية ونتصرف بناء على ذلك” .
ذات مرة، ومع شدة المجاعة استيقظ ضمير جيش العدو ، فسمح بإرسال شاحنة استهزاء وشماتة، شاحنة مليئة بأكفان الموتى!
وذات مرة، وفي نشوة هستيرية يقوم العدو بقصف سفن المساعدات الغذائية والطبية داخل أوروبا، رغم أنه يعرف أن هذا إرهاب داخل العزيزة أوروبا.
ويبلغ جيش الاحتلال الإسرائيلي قمة الاحتقار للأعراف المعمول بها عالميا حين يقصف ويقتل مجموعة من العاملين الأمميين في منظمة المطبخ المركزي العالمي World Central Kitchen، فيفرح جيش العدو بردة فعل هذه المنظمة وغيرها من منظمات الغذاء والمساعدات حيث قامت بتجميد عملها في غزة!
لا غرابة، فهو عدو لئيم يستخدم سلاح تجويع الجميع، ويدوس المجتمع الدولي ومؤسساته.
المجوّعون والموجوعون في غزة يصرخون: “تصريحات وقلق مدراء المنظمات الإنسانية لا تسمن ولا تغني من جوع! فليحتفظوا بتصريحاتهم الباردة التي تغري الاحتلال بالمزيد والمزيد من الجرائم والتجويع”.
المفوض السامي في الأمم المتحدة فولكر تورك يصف سلاح التجويع بأنه “يرقى” إلى مستوى “العقاب الجماعي”! و”قد يصل” إلى حد استخدام التجويع كـ”أسلوب حرب”!!!
هل تعلم يا حضرة المفوض السامي أن البنك الدولي يعتبر أن 100% من سكان القطاع يعيشون تحت خط الفقر، وأهل غزة يقولون لك إننا كلنا تحت خط الموت جوعًا!

كواليس.. على الهواء مباشرةً
مؤلم جدا أن يولد في الحرب سبعون ألف طفل، ويتعرضون لأمراض مزمنة وسوء التغذية حادّ بلا مناعة من جوع، وبلا خوف من قصف.
مؤلم جدا امرأة في حالة وضْعٍ تُركت وحيدةً، اتخذت مكانا قصيًّا عمن فقدتهم، لا زمزم تحت أقدام الصغير، صوتها الواهن لا يكفي لنداء من تساعدها، ومولودها يخرج وهو يعاني من وهن العظم، ووهن العضلات.
وما أشد حسرة أمهاتٍ يعانين سوء التغذية، ولا يستطعن الإرضاع، وكأن الموسم في أثداء الأمهات دماء!

إغلاق معابر غزة
وفي جولة في تاريخ المجاعات في بلادنا العربية (مجاعة بلاد الشام 1915م، ومجاعة المغرب 1944م، ومجاعة الصومال 1992، ومجاعة السودان 1998، والمجاعة الحالية) يجد المرء أن الاستعمار أو تجار الحروب هم وراء هذه المجاعات.
لكن ما يحصل في غزة هو حرب تجويع تجاوزت الدرجة الخامسة، وهي الأكثر خطورة في مؤشر IPC (التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي)؛ يعني أنها تجاوزت مرحلة سوء التغذية الحادّ، ومرحلة الأمن الغذائي المزمن.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق