
السبيل – خاص
في خطوة مفاجئة، شن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هجوماً سياسياً لاذعاً على دولة قطر، التي تلعب دور الوسيط الرئيس في مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين الاحتلال وحركة حماس.
تصريحات نتنياهو التي وصف فيها قطر بأنها تروج لخطاب غامض فيما يتعلق بمواقفها، وتساءل إن كانت ستقف إلى جانب “الحضارة” أو إلى جانب حماس، فتحت الباب لقراءات سياسية متعددة. فهل كان هذا الهجوم مجرد رد فعل سياسي عابر، أم أنه يمثل محاولة لنسف المسار الدبلوماسي القائم، وتفخيخ الجهود الرامية للوصول إلى تسوية شاملة؟
وجاءت هذه التصريحات بعد أسابيع من الجهود المكثفة التي بذلتها قطر، بالتنسيق مع مصر والولايات المتحدة، للتوسط من أجل وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، في ظل كارثة إنسانية متصاعدة في القطاع المحاصر.
قطر التي نجحت في التوسط في هدنتين في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 ويناير/كانون الثاني 2025، كان لها دور أساسي في الإفراج عن أسرى فلسطينيين وإسرائيليين على حد سواء، بالإضافة إلى السماح بتدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة.
ورغم هذا الدور الإيجابي، استمر الهجوم الإسرائيلي ضد قطر، موجهاً إليها اتهامات بالتلاعب وعدم الوضوح في مواقفها، رغم أن قطر كانت تدعو بشكل مستمر إلى إنهاء الحرب وحماية المدنيين، ووقف الانتهاكات الجسيمة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني.
تفخيخ مسار الوساطة
من خلال تصريحات نتنياهو؛ يلوح في الأفق هدف آخر أكثر استراتيجية هو تفخيخ الجهود الرامية إلى التوصل إلى وقف إطلاق النار والتسوية النهائية، فقد يكون الهجوم على قطر مؤشراً على أن الاحتلال يسعى إلى عرقلة أي مسعى دولي قد يؤدي إلى توقف الحرب في غزة، أو إلى تهدئة تتيح للمجتمع الدولي تحريك عجلة التسوية.
ووفق مراقبين، فإن انتقاد قطر يضعها في مواجهة مباشرة مع خطاب الاحتلال، ويعزز من صورة قطر كداعم للمقاومة الفلسطينية، وهو ما يتعارض مع رغبة الاحتلال في تصوير نفسه كمن يقاتل من أجل “التحضّر” و”العدالة”.
وبالتزامن مع هذا التصعيد، تُظهر البيانات الميدانية أن محاولات الوساطة التي تقودها قطر تحقّق نتائج ملموسة، مثل الإفراج عن أسرى، مما قد يهدد استمرار العدوان الإسرائيلي في ظل الضغط الدولي لإيجاد حل طويل الأمد.
ويطرح الهجوم الإسرائيلي على قطر تساؤلات حول نية الاحتلال في توجيه الأنظار بعيداً عن دوره في تصعيد الأزمة، والتأثير على مسار المفاوضات.
تمهيد لنسف التسوية
ما يزيد من تعقيد الصورة هو التوقيت الحساس للهجوم الإسرائيلي، ففي الوقت الذي تتواصل فيه الوساطات الدولية مع قطر ومصر، يبدو أن هجوم نتنياهو لا يهدف فقط إلى التحريض على الدور القطري، بل قد يكون تمهيداً لنسف التسوية السياسية.
وقد تكون زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة، المقررة في منتصف مايو/أيار 2025، في نظر نتنياهو، فرصة لإعادة ترتيب الأوراق السياسية في المنطقة، وذلك عبر ضغط جديد على الوسطاء، وفي مقدمتهم قطر.
وتُطرح تساؤلات عديدة حول الدور الذي قد تلعبه الولايات المتحدة في الفترة القادمة، خاصة إذا كان الضغط الإسرائيلي ضد قطر يأتي في سياق محاولات تحجيم الوساطة القطرية قبل وصول ترامب.
إضافة إلى ذلك، فإن هناك مخاوف من أن هذه التصعيدات السياسية قد تؤدي إلى إجهاض أي مسار تفاوضي حقيقي، في ظل المصالح الاستراتيجية للإدارة الأمريكية في المنطقة ودعمها المطلق للاحتلال.
إلى أين يتجه المسار؟
تزداد الرهانات في غزة وفي المنطقة بشكل عام تعقيداً. وبينما تواصل قطر جهودها للوساطة في أوقات حساسة، تبقى فرص التوصل إلى اتفاق دائم معلقة في الهواء، في ظل الهجوم الإسرائيلي على قطر، الذي قد يكون بداية لتصعيد شامل يهدف إلى تجاوز أي تسوية سلمية تضمن حقوق الفلسطينيين، وتحقق الاستقرار للمنطقة. وفي الوقت ذاته؛ يظهر الدور القطري كعنصر أساسي في خلق مساحة للحوار، التي يتزايد تهديد الاحتلال لها.
وفي النهاية، تبقى التساؤلات مفتوحة حول ما إذا كانت هذه الحرب السياسية هي جزء من خطة إسرائيلية لتقويض الوساطات المستقلة، أو محاولة لإحباط أي حل سياسي، في ظل استمرار المعاناة الإنسانية في غزة التي تشهد تصعيداً عسكرياً غير مسبوق منذ أكتوبر 2023.
0 تعليق