جامعة نزوى تنجح في إنتاج السكر السائل من بسور المبسلي

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

المنتج يمثل مادة غذائية عالية الطلب ومتعددة الاستخدامات في الصناعات الغذائية

د. محمد الفارسي: تحويل بسور المبسلي إلى السكر السائل يضاعف العائد الاقتصادي للمزارعين وبديل مستدام عن التبسيل التقليدي

نجحت جامعة نزوى في إنتاج السكر السائل من بسور المبسلي، الذي يُعد بديلًا مستدامًا وذا عائد اقتصادي للمزارعين والمستثمرين، ويدخل السكر السائل في العديد من الاستخدامات في الصناعات الغذائية، ويواصل الفريق البحثي في مختبر علوم وتقنيات الغذاء بمركز أبحاث العلوم الطبيعية والطبية بالجامعة جهوده لتعزيز الاستفادة اقتصاديًا من التمور في سلطنة عُمان وتعزيز الابتكار في الاقتصاد الزراعي.

وقال الدكتور محمد بن علي الفارسي، رئيس مختبر علوم وتقنيات الغذاء بمركز أبحاث العلوم الطبيعية والطبية بجامعة نزوى: إن فوز الفريق البحثي للجامعة بالمركز الأول في المؤتمر الدولي السابع لسلامة وجودة الغذاء، الذي يُعد أبرز مؤتمر متخصص في هذا المجال على مستوى سلطنة عُمان وربما على مستوى الإقليم، يمثل لنا إنجازًا علميًا نعتز به كثيرًا، فهو ثمرة لجهود بحثية امتدت لشهور طويلة من العمل الدؤوب والتجريب والتطوير، ويمثل في الوقت ذاته اعترافًا من المجتمع العلمي بأهمية المشروع من حيث القيمة العلمية، والابتكار، والتأثير المستقبلي، وهذا الإنجاز يعكس ريادة جامعة نزوى في توجيه البحث العلمي نحو حلول واقعية ومستدامة تخدم الأمن الغذائي وتدعم الاقتصاد الوطني، كما يعكس قدرة الباحثين العُمانيين على تقديم ابتكارات قادرة على المنافسة إقليميًا ودوليًا.

وأشار إلى أن فكرة مشروع إنتاج السكر السائل من بسور المبسلي وُلِدت بدعم وتوجيه مباشر من نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي والعلاقات الخارجية، الذي أشار إلى أهمية الاستفادة من صنف "المبسلي" تحديدًا، إذ يحتل هذا الصنف المرتبة الخامسة في سلطنة عُمان من حيث حجم الإنتاج، بكمية تقارب 29 ألف طن في عام 2023، إلا أن استهلاكه كتمور مائدة أو في التصنيع لا يزال محدودًا، مما يؤدي إلى تراكم كميات ضخمة منه دون الاستفادة الحقيقية منها، ومن هنا جاءت فكرة تحويل هذا المورد الزراعي غير المستغل إلى منتج عالي القيمة يمكن أن يدخل في الصناعات الغذائية ويعود بالنفع على المزارعين والمستثمرين، وقد بدأنا رحلة البحث لتطوير طريقة علمية لاستخلاص السكر السائل من البسور، مع مراعاة الحفاظ على القيم الغذائية وجودة المنتج النهائي، مشيرًا إلى أن الورقة العلمية في مؤتمر عُمان الدولي السابع لسلامة وجودة الغذاء تميزت بكونها دراسة تطبيقية تركز على تحويل منتج زراعي محلي ذي وفرة إنتاجية (البسور من صنف المبسلي) إلى منتج غذائي صناعي ذي قيمة عالية، وفي الوقت الذي ركزت فيه معظم الأوراق الأخرى على جوانب تحليلية أو دراسات حالة، كانت ورقتنا توظف منهجية علمية متكاملة تبدأ من المادة الخام وتنتهي بمنتج نهائي يمكن استخدامه في مختلف الصناعات الغذائية، كما أننا ركزنا على الابتكار في آلية الاستخلاص، من خلال استخدام المعالجة الإنزيمية والحامضية، وتحقيق شروط مثلى لضمان أقصى كفاءة في الاستخلاص وأعلى جودة في المنتج النهائي، هذا إلى جانب الدراسة الاقتصادية الأولية التي قارنت بين جدوى هذا المنتج والمعالجة التقليدية للبسور.

المحلول السكري

وأوضح أن عملية إنتاج السكر السائل تبدأ من جمع البسور وفرزها وتنظيفها جيدًا، ثم إخضاعها لعملية تحليل بيولوجي تُستخدم فيها إنزيمات خاصة أو أحماض لتكسير الكربوهيدرات المعقدة الموجودة في البسور (مثل النشاء والسليلوز والبكتين والتانيين) وتحويلها إلى سكريات بسيطة مثل الجلوكوز والفركتوز، وبعد ذلك، نقوم بعملية فصل وتنقية لهذه السكريات باستخدام تقنيات حديثة تضمن استخلاص أعلى كمية ممكنة من السكر، ثم يتم تركيز هذا المحلول السكري لنصل إلى منتج نهائي يشبه في قوامه العسل، بتركيز سكري يقارب 70%، واللافت في هذه الطريقة أنها لا تتطلب درجات حرارة عالية، مما يساعد في الحفاظ على مضادات الأكسدة والفيتامينات والمعادن الموجودة أصلًا في البسور، ويُنتج سكرًا سائلًا عالي الجودة والنقاء، صالحًا للاستخدام في مختلف الصناعات الغذائية.

القيمة المضافة

وأكد أن القيمة المضافة لهذا الابتكار تكمن في قدرته على تحويل منتج غير مستغل، مثل بسور المبسلي، إلى مادة غذائية عالية الطلب ومتعددة الاستخدامات في الصناعات الغذائية، فالسكر السائل الذي أنتجناه يمكن استخدامه كمُحلٍّ طبيعي في صناعات المشروبات، والعصائر، والمخبوزات، والحلويات، والصلصات، والشكولاتة، وغيرها، وكذلك، هذا الابتكار يفتح المجال أمام تطوير صناعات جديدة قائمة على التمور، تضيف قيمة اقتصادية وسوقية لهذا المحصول الوطني الاستراتيجي، وتخلق فرصًا استثمارية ومهنية في مجال التصنيع الغذائي، وفي ظل التوجه العالمي نحو البدائل الطبيعية والصحية، فإن هذا المنتج يمكن أن يجد لنفسه مكانًا تنافسيًا محليًا وخارجيًا، مضيفًا إن السكر السائل من البسور يمتلك مميزات تجعله منافسًا قويًا للسكريات التقليدية، سواء من حيث القيمة الغذائية أو من الناحية الصحية أو الناحية الاقتصادية، فالسكر المستخلص من البسور يحتوي على سكريات بسيطة مثل الجلوكوز والفركتوز، بالإضافة إلى فيتامينات ومضادات أكسدة ومعادن وألياف غذائية، وهي عناصر تفتقر إليها السكريات المكررة المُنتجة من القصب أو البنجر، ومن الناحية الاقتصادية، أظهرت الدراسة أن نسبة استخلاص السكر السائل من البسور تقارب 20%، وهي نسبة مماثلة لنِسب الاستخلاص في مصانع السكر التقليدية، مما يجعله بديلًا مجديًا تجاريًا، كما أن خصائصه الطبيعية والنكهة الفريدة قد تجعله مفضلًا لدى المستهلكين الباحثين عن بدائل صحية.

الفائدة الاقتصادية

وبيّن أن الدراسة أجرت تقييمًا اقتصاديًا أوليًا قارن بين عوائد صناعة البسور التقليدية وصناعة السكر السائل، إذ اتضح أن كل طن من البسور ينتج حوالي 200 كجم من السكر السائل، يمكن بيعه بقيمة تصل إلى 300 ريال عُماني، وبعد خصم تكاليف التصنيع (80 ريالًا عُمانيًا)، يبقى العائد الصافي 220 ريالًا عُمانيًا، وفي المقابل، الطن نفسه من البسور عند تجفيفه بالطريقة التقليدية ينتج حوالي 500 كجم بسور جافة تُباع بـ150 ريالًا عُمانيًا، وبعد خصم التكاليف (30 ريالًا عُمانيًا)، يصبح العائد الصافي 120 ريالًا عُمانيًا فقط، وهذا يعني أن التحول إلى صناعة السكر السائل يمكن أن يضاعف العائد الاقتصادي للمزارعين والمستثمرين، ويقلل الاعتماد على الدعم الحكومي الذي تقدمه الدولة حاليًا لصناعة التبسيل التقليدية، مما يُسهم في تعزيز الاستدامة الاقتصادية للقطاع الزراعي.

وذكر أن المشروع يمثل نقلة نوعية في توظيف البسور غير المستهلكة، خصوصًا من صنف المبسلي، الذي يُعد من الأصناف ذات الإنتاجية العالية ولكن لا يتم استهلاكه بكثرة كتمور مائدة، وغالبًا ما تُستخدم بأساليب تقليدية غير مجدية اقتصاديًا، مما يؤدي إلى هدر جزء كبير منها أو تراكمها بشكل يشكل عبئًا بيئيًا، ومن هنا، يُسهم المشروع في معالجة هذه المشكلة عبر إدخال البسور في مسار تصنيعي متكامل يحولها إلى منتج غذائي عالي القيمة، مما يقلل من الفاقد الزراعي، ويحد من التلوث البيئي الناتج عن التخلص العشوائي من الفائض، وبذلك، يدعم المشروع أهداف التنمية المستدامة فيما يخص الأمن الغذائي، والاستدامة البيئية، والاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية.

الصعوبات والتحديات

وأكد الفارسي مواجهة عدة تحديات علمية وتقنية خلال تنفيذ المشروع، أبرزها تحديد النِّسب المثلى من الإنزيمات والأحماض اللازمة لتحليل الكربوهيدرات المعقدة واستخلاص السكريات البسيطة بكفاءة وجودة عالية، وهذه المرحلة كانت دقيقة جدًا لأنها تؤثر مباشرة على تركيز السكر، ونقاوته، ولونه، وكذلك في الحفاظ على المكونات الحيوية من الفيتامينات ومضادات الأكسدة، وقد اضطررنا لإجراء تجارب متعددة وتعديل الظروف التجريبية في كل مرة للوصول إلى النتائج المثلى، وقد استغرق ذلك وقتًا وجهدًا كبيرًا من الفريق البحثي، لكن بفضل توفير جميع الأدوات والمستلزمات البحثية، تمكنا من تجاوز هذه التحديات والوصول إلى نموذج إنتاجي فعّال، يمكن الاعتماد عليه صناعيًا.

وحول مدى القدرة على تعميم هذه التقنية على محاصيل أخرى في سلطنة عُمان، قال: تُعد هذه التقنية غير مسبوقة محليًا وإقليميًا في مجال استخلاص السكر السائل من البسور، ويمكن تطبيقها على أصناف تمور أخرى، شريطة إجراء تقييم أولي لكل صنف نظرًا لاختلاف التركيب الكيميائي وخصائص السكريات في كل صنف، لكن من حيث المحاصيل غير التمرية، فإن تعميم التقنية يبدو محدودًا، لأن هذه المحاصيل تختلف جذريًا في بنيتها الكيميائية والفيزيائية، مما يجعل استخدام المعالجة الإنزيمية نفسها غير فعّال، لذا فإن التطبيق المستقبلي سيكون محصورًا ضمن قطاع التمور، مما يعزز من مكانة هذا القطاع ويفتح آفاقًا استثمارية جديدة فيه.

وأضاف: أدى الفريق البحثي بمختبر علوم وتقنيات الأغذية دورًا محوريًا في إنجاح المشروع، حيث استمر العمل البحثي لما يزيد عن عشرة أشهر من العمل الدؤوب، ما بين تصميم التجارب، والتحليل المخبري، وتقييم النتائج، ومراجعة الجوانب التطبيقية، وتميز الفريق بالتكامل والتنوع، حيث ضمّ باحثين أكفاء أسهموا بخبراتهم في الجوانب الكيميائية والتقنية.

وأضاف: مشاركة جامعة نزوى في هذا المؤتمر تميزت من خلال تقديم ورقتين علميتين تمثلان توجهات الجامعة نحو البحث التطبيقي الموجه لخدمة الأولويات الوطنية، الورقة الأولى حول إنتاج السكر السائل من البسور التي عكست توجهًا استراتيجيًا لتوظيف الابتكار في دعم الاقتصاد الزراعي، في حين ركزت الورقة الثانية على تقييم جودة زيت الزيتون العُماني، وهو منتج محلي آخر يحظى باهتمام واسع، ونؤمن أن المشاركة المستمرة في المؤتمرات التخصصية، خاصة تلك التي تُعقد في سلطنة عُمان، هو واجب علمي وفرصة لتعزيز التعاون والتفاعل مع المؤسسات البحثية والصناعية، وقد كانت مشاركتنا السابقة في الدورة الماضية لهذا المؤتمر قبل عامين، مما يعكس التزامنا بالمشاركة الفاعلة والتأثير الإيجابي.

وأوضح أنه بفضل النتائج الإيجابية لهذا المشروع، وردود الفعل المشجعة التي تلقيناها من المشاركين في المؤتمر، تواصلت معنا إحدى الشركات العُمانية المتخصصة في تكرير السكر، وأبدت اهتمامًا كبيرًا بتبني التقنية وتطبيقها ميدانيًا، ونحن من جانبنا أبدينا استعدادنا التام للتعاون، وتقديم الدعم الفني والبحثي اللازم، لإجراء التجارب التوسعية وتقييم الجدوى الصناعية والاقتصادية للتقنية، كما نعمل حاليًا على صياغة خطة بحثية تمكّن من تحويل هذا الابتكار إلى منتج صناعي قابل للتسويق، بما يدعم الاقتصاد المحلي ويوفر فرصًا جديدة للمزارعين والمستثمرين في قطاع التمور.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق